الثلاثاء، 29 سبتمبر 2015

السيد محمد باقر آل إبراهيم 
الشاعر العاملي السيد محمد باقر آل إبراهيم " أبو عدنان " 


"بين الزعيمين "

عمل السيد جعفر إبراهيم على جمع ديوان ابن عمه السيد محمد باقر إبراهيم ونشره بعد وفاته عام 1989. إن ما أوحى إليه بهذا العنوان الجميل للديوان «قطوف دانية» هو روابط الألفة والانسجام الحميمة التي سادت بين الاثنين والتي «هي أقوى وأرسخ من علائق القربى ووشائح الرحم حيث كانت لنا مجالسنا الخاصة ولقاءاتنا الحافلة وسهراتنا وأسمارنا، فكانت واحة ممرعة بقطوفها الدانية وأنياتها الحانية».

كان السيد " أبو عدنان "  شاعرا وصاحب السليقة ذات العاطفة الجياشة والذي يفيض شعره بعبق أرضه العاملية الغنّاء  .
 فإن ما يميّز الأخبار والأشعار الواردة في ديوانه أنه يروي الحادثة حتى لو كان هو موضوع التهكم فلا يحرجه ذلك ولا يمنعه من قول الحقيقة أشعراً كان موضوعها أم نثراً. وقد قام رحمه الله بناءً على إشارة بعض «العلماء الأفاضل» على حدّ قوله بجمع ما علق بذهنه من شعر نظمه ومرويات وحوادث طريفة صادفته خلال مسيرة حياته المديدة التي قضاها بالتعليم .
"بين الزعيمين"

يقول الشاعر السيد محمد باقر ابراهيم أنه بقي يحلم بأن يصبح معلماً رسمياً في الدولة بدلاً من التقلّب بين المدارس الأهلية في السكسكية وعدلون حيث كان يعمّ الفقر بين الناس فلا أجرٌ ولا معاش ثابت يغني عن فاقه لئيمة قد تحوجه لمن هو أدنى منه رتبة وفهماً وحسباً.
وشاءت الصدف أن يزور زعيم الجنوب آنذاك رئيس المجلس النيابي أحمد بك الأسعد بلدة السكسكية فأنشده شاعرنا قصيدة يخطب بها ودّه لنيل غايته المنشودة ومطلعها:
لأحمد في الأوج الرفيع السامي مجدٌ يشعّ بجبهة الأيام
أو ليس هذا الليث نجلٌ للألى سادوا البلاد بعفّة وذمام؟
وعندما انتهى من القصيدة علا التصفيق وصرخ أحمد الأسعد: أحسنت يا سيّد، ووعده أن يكون معلماً رسمياً في أقرب فرصة.
ولأن صاحب مدرسة السكسكية وكثير من أهلها كان يدين بالولاء لآل عسيران خصوم آل الأسعد فقد أقفلت المدرسة التي كان يعلم فيها شاعرنا وبقي سنة عاطلاً عن العمل، وعندما أخبر أحمد الأسعد بما حصل أجابه معتذراً: "بعدنا عم نخابط"
ولكي يتخلّص من هذه الورطة فقد انتهز فرصة زيارة الزعيم رشيد بيضون وهو المناوئ للزعيم الوائلي أحمد الأسعد واستقبله شاعرنا بقصيدة، وكان قد أنشأ الزعيم البيروتي الشيعي كشافة الطلائع:
نحن الطلائع من منهم يضاهينا نحن الآلى نتبع الغرَّ الميامينا
يشعُّ في صدرنا سيفٌ لحيدرة ذاك الذي حضن الإسلام والدينا
فعلا الهتاف وأطلق الرصاص وشكره رشيد بيضون ووعده بأن يجعل المدرسة رسمية ويجعله فيها معلماً رسمياً. غير أنه أخلف وعده بعد ذلك قائلاً لشاعرنا أنه يتوجّب أن يستحصل على الشهادة المتوسطة وكانت في ذلك الزمان أعزّ من الشهادة الجامعية. فأسقط ما في يد سيّدنا وخرج من عند الزعيم خائباً.
غير أنه عندما جرت الانتخابات عام 1946 انتصرت لائحة الأسعد في الجنوب اللبناني انتصاراً كاسحاً جعلت شاعرنا يقرّر العودة إليه وابتدرهُ في دارته بالطيبه بقصيدة عصماء بزَّت ما قبلها:

حلَّق فغيرك قد أسف وهو ما بلغ الهدف
أنت الزعيم لعامل وعليك نصر الله رفّ
يا أحمد الفذ الذي من فضله تتلى الصحف
الله أكبر من رأى سيفاً لوائل قد رعف
قد أيدته ملائك صف يواكب إثر صف

فطرب السامعون وبدأ بعضهم يطلق الرصاص وأحمد الأسعد يصفق ويقول هذا هو الشعر. وصادف إثر ذلك أنه بعد أيام وقع الحدث السعيد وتسلّم السيد باقر كتاب تعيينه معلماً رسمياً في مدرسة يونين في البقاع الشمالي فغمرته السعادة بعد أن حقق أمنيته التي كاد في سعيه لطلبها أن تودي بسمعته ومهابته وهو الذي ما تعوّد بذل ماء وجهه لمن لا يستحق، وقد ظلّ وفياً حتى آخر حياته للزعيم أحمد الأسعد الذي وفى بعهده بدوره لشاعرنا المعلّم.