السبت، 17 أغسطس 2013




العرايس

(مكان أثري غربي بلدة عبّا)


مجلة شهرية, وثائقية, ثقافية,.وبلدية خاصة
السنة 17 – العدد الثاني – أول/ أيار /2013م


إعداد وإشراف
خليل توفيق حسين ترحيني
(أبو بشار)


تلفون: 510574/07
عبّا – الجنوب – محافظة النبطية
الموقع الإلكتروني: www.al3arayess.blogspot.com


ملحق الصور 



السيد توفيق ترحيني (ابو شريف )
1910- 1967م
*01*(مجلة العرايس- السنة 17- العدد الثاني- الصفحة الثانية  - أول /أيار / 2013م )
_________________________________
 شجرة عائلة السيد حسين بن السيد أحمد بن السيد علي بن السيد حسن بن السيد أحمد ترحيني 

*02*   (مجلة العرايس- السنة 17- العدد الثاني- الصفحة3   - أول /أيار / 2013م )



قانون الاساسي والداخلي لحزب النهضة 
*03*(مجلة العرايس- السنة 17- العدد الثاني- الصفحة 15 - أول /أيار / 2013م )










الاحتفالات في الطيبة:
كان الأهالي يذهبون إلى الطيبة سيراً على الأقدام تتقدمهم حمولة الجمال من الحطب وقطعان الماشية للمساهمة في اعداد الطعام.
ثم تطور الانتقال الى دار الطبية بواسطة ماكنات الشحن والبيكابات والبوسطات. وهذه بوسطة أهالي بلدتنا عام 1951 متجهة الى دار الطيبة بمناسبة نجاح القائمة الأسعدية بكاملها من 14 نائباً.

                                  (مجلة العرايس- السنة 17- العدد الثاني- الصفحة 39 - أول /أيار / 2013م )







عام 1965 السيد توفيق ينظم الصفوف في ساحة البلدة استعدادا لاستقبال محافظ الجنوب الاستاذ هنري لحود بمناسبة الاحتفال السنوي للحركة الاجتماعية برئاسة الاستاذ ابراهيم توفيق ترحيني.
السيد توفيق في الوسط, وابتداءا من اليسار السادة: ابراهيم حسن خليل – كامل كلوت – احمد محمود (الامام( - محمد شريف يوسف أسعد – سعيد حسين علي حسين – علي جواد هارون – محمد السيد حسين – السيد توفيق.

                                    (مجلة العرايس- السنة 17- العدد الثاني- الصفحة 39 - أول /أيار / 2013م )







وصول المطران غريغوار حداد وبجانبه الاستاذ ابراهيم توفيق ترحيني وخلفه السيد توفيق مع اهالي البلدة عام 1966م, يستقبلون سيادة المطران.
                                (مجلة العرايس- السنة 17- العدد الثاني- الصفحة 48 - أول /أيار / 2013م )



اجتماع الزعيمان المتخاصمان في احتفال عيد الاستقلال اللبناني في 23 تشرين الثاني عام 1951م

الصف الثاني: احمد بك الاسعد رئيس المجلس النيابي
                 عن بمينه: رشيد بك بيضون وزير الدفاع الوطني
                 وعن يساره: عبدالله البافي رئيس مجلس الوزراء

وظهر: اللواء فؤاد شهاب – قائد الجيش
                               (مجلة العرايس- السنة 17- العدد الثاني- الصفحة الاخيرة  - أول /أيار / 2013م )


العرايس
(مكان أثري غربي بلدة عبّا)


مجلة شهرية, وثائقية, ثقافية,.وبلدية خاصة
السنة 17 – العدد الثاني – أول/ أيار /2013م



إعداد وإشراف
خليل توفيق حسين ترحيني
(أبو بشار)


تلفون: 510574 -07
عبّا – الجنوب – محافظة النبطية
                                       الموقع الإلكتروني: www.al3arayess.blogspot.com





الفهرست:
نفحة عن حياة السيد توفيق علي حسين احمد ترحيني
(أبو شريف)
1910 - 1967 
بلدة عبّا – محافظة النبطية – لبنـان


السيـد توفيـق ترحينـي "أبو شريـف"
1910م – 1967م

         يقول المؤرّخ فؤاد افرام البستاني: "التاريخ الحقيقي للبنان يبدأ بالتاريخ لكل قرية وبلدة ومدينة وجمع مخطوطاتها ويومياتها والسجلات والقيود العائدة لها. وجعلها بين دفتي "كتاب" لأن ذلك يوفّر حقلاً واسعاً من المعلومات لكل راغب في درس تاريخ وطننا درساً وافياً وشاملاً وموضوعياً".
         فاستخراج الخلاصات من الأبحاث تضيء على زوايا خبيئة من تاريخ البلدة.
         وهذا هو هدفنا في مجلة "العرايس" الخاصة، إذ أن التنقيب في ذاكرتنا الضيعوية يقودنا إلى حكايات من الزمن الجميل تضيء على سير رجالات يذكرون في أعمالهم ومساعيهم الخيّرة في الحي والبلدة والقرى المجاورة.
         هؤلاء استطاعوا التغلّب على الفقر بالعمل وعلى الجهل بالعلم، فقاوموا قساوة الحياة وشقاء دنياهم حتى نالوا بغيتهم وأفردوا لأنفسهم المكانة التي كانوا يطمحون إليها في مجتمعاتهم الضيّقة.
         من هذه الحكايات سيرة السيد توفيق علي حسين أحمد ترحيني "أبو شريف" الذي مضى على وفاته قرابة نصف قرن، تاركاً أولاداً وأحفاداً وغرساً وشجراً وأعمالاً صالحة.
         نشأ مع أهله في مهنة المتاعب (الفلاحة) وتمكّن من قبضة المحراث وزناد الدمرج وشق طريقه في الحياة بإرادة جميلة وهمّة عالية.
         ترعرع في الضيعة أيام السلطنة العثمانية وانتقل مع الإنتداب الفرنسي إلى أحضان الجمهورية اللبنانية.
         إبتداءً من عام 1910م بدأت الأمبراطورية العثمانية تنهار وأطلق عليها لقب "الرجل المريض" وأدخلت العناية الفائقة ونعيت باتفاقية سايكس – بيكو عام 1919م وعاشت البلاد ما بين الفترة 1914م – 1926م بدون سلطة ولا دولة ولا مؤسسات وجبل عامل ضاع ما بين ولاية صيدا العثمانية وبين الإنتداب الفرنسي. وفي عام 1920م ضمّ إلى دولة لبنان الكبير ولو ضمّ إلى سوريا أو فلسطين كما كان يتمنى البعض من وجهائه لكانت حالتنا اليوم كحالة زعيلة وحميدان.
         وجاء في كتاب باتريك سيل([1]) "أنه عام 1915م أتت أسراب الجراد على كل ما هو أخضر في البلاد وبدأ لبنان الذي تحتله فرقة تركية يعاني من المجاعة عام 1916م. عاش جميع الصبية فوق سن الخامسة عشر بخوف مما كان يسمى "سفر برلك" وهو التجنيد الطويل والقاسي في القوات التركية التي اتبعت أساليب عنيفة في فرضه. وفي العامين التاليين عانت المنطقة بمجملها من المجاعة.
         أرسلت الحكومة التركية بعض الحبوب لإغاثة السكان، لكن المتصرفين والقائم مقامين عليها الفاسدين وسواهم استولوا وتلاعبوا بها، وعمدوا في كثير من الحالات إلى بيعها بأسعار مرتفعة جداً، وبما أن المنطقة لا تنتج الحبوب، أو تنتج القليل منها، ولا يمكن إستيرادها من الخارج ، فقد كانت السنوات الأخيرة من الحرب مأساوية.
         وساهم في البؤس الفظيع الذي عاناه الشعب الحصار البحري الذي فرضته قوات الحلفاء على الشواطئ السورية، وتخزين الحبوب من قبل التجار والمسؤولين الذين لا يحفلون بالقيم، ومصادرة الجمال والبغال والأحصنة والحمير من قبل الجيش التركي، وغياب وسائل النقل لجلب المواد الغذائية من الداخل، وقطع الأشجار لتوفير الطاقة لتسيير القطارات، وتفشي الكوليرا، مثلما ساهمت في ذلك الحرب بحد ذاتها. وهكذا قضى نحو نصف مليون شخص من المجاعة في تلك السنوات بما في ذلك المئات في شوارع بيروت وبعض المدن الساحلية في الأسابيع الأخيرة من الحرب. وقد أفاد مراقبون فرنسيون عن المشاهد المحزنة لأطفال ذوي بطون منتفخة يزحفون للحصول على قطعة من قشر البرتقال ونساء يشبهن الهياكل العظمية يمضغن كسراً من الخبز اليابس، وعربات البلدية التي تقوم بجولات ليلية لرفع جثث الموتى الذين قضوا من الجوع.



1- رياض الصلح والنضال من أجل الإستقلال العربي، الدار العربي، ناشرون الطبعة الأولى 2010، بيروت، ص. 118-119-120.
______________________________________

وفي سنة 1918م خرج جمال باشا من دمشق وبلاد العرب وسلمها للأميرين عبد القادر الثاني وسعيد /حفيدي الأمير عبد القادر الجزائري، ولكن قوات الجنرال اللنبي الآتية من غزة دخلتها بسرعة واحتلت جبل عامل ودمشق وبيروت بجيش مؤلف من الانكليز والفرنسيين والامير فيصل الذي اعلن الدولة العربية في سوريا وأصبح والي صيدا رياض الصلح من قبل الأمير فيصل (لفترة قصيرة)، وكانت ولاية صيدا تضم 118 ألف نسمة منهم 13 ألف فلاح مسلم شيعي يتزعّمهم راشد عسيران وهو كبير عائلة آل عسيران الشيعية المالكة للأراضي التي يرجع تاريخها في صيدا إلى نهاية القرن السادس عشر. وكان حكام إيران القاجار قد عيّنوا آل عسيران قناصل في صيدا. وقد وقعت خصومة مريرة بين راشد عسيران وكامل الأسعد زعيم الشيعة في جبل عامل قبل الحرب العالمية الاولى وبعد وفاة الزعيم كامل الاسعد عام 1924م انتقلت الخصومة الكيدية بين راشد عسيران وبين زعيم جديد: يوسف الزين.
         وعام 1920م ضم جبل عامل إلى دولة لبنان الكبير ومن ثم إلى الجمهورية اللبنانية عام 1926م.
         وفي نهاية المطاف ضم جبل عامل إلى الجمهورية اللبنانية حاملاً تركة كبيرة من التخلّف والإهمال إقتصادياً وثقافياً وإجتماعياً بعدما مرّ في حالة تعيسة من عام 1910م حتى عام 1926م لا حكم ولا سلطة فقط مدير ناحية في النبطية (إبراهيم فياض من أنصار) سرعان ما سرح من وظيفته وكاتب (حسين شمس) من النبطية بلا راتب وحلّت المخافر وسائر المؤسسات الحكومية وأصبح مختار كل قرية هو حاكمها. وكان حاكم قرية عبّا في هذه الفترة السيد حسن خليل الذي ورث الوجاهة عن أبيه خليل أبو دلاّ الذي توفي عام 1905م. فكان السيد حسن خليل هو الآمر الناهي يسهر على ما تبقى في البلدة إبان الحرب وما بعدها من حجر وبشر.
         في هذه الفترة في عام 1910م ولد السيد توفيق ترحيني في منـزل والده السيد علي السيد حسين السيد أحمد في غرفة في الضيعة (منـزل السيد أحمد حسن خليل الآن) بجانب بيت جدّه لأمه السيد حسن حسين ترحيني. وسافر والده إلى بونس إيرس عام 1914 تاركاً في البيت زوجة وولديها توفيق ومحمد.
         وضاقت الحال بهم في البلدة فالتحقت الزوجة أم توفيق مع ولديها بالجدّ السيد حسين السيد أحمد في مزرعة قلعة ميس للعمل وتحصيل رزق العيش. إذ أن الجدّ السيد حسين السيد أحمد بهمته العالية وبمساعدة أبو سعيد أحمد قاووق الذي اقتطعه مقسم فلاحة ومع العمل المضني أصبح الجميع في بحبوحة من أمرهم وصدّوا عنهم غائلة الجوع والفقر والحاجة، وبعد انتهاء الحرب حضر الوالد السيد علي من بونس أيرس واشترى في القلعة في عبا غرفة من توفيق جفال وغرفة من السيد علي موسى ياسين وتوسّع في المشاع وأصبح عنده منـزل بعدة منازل وخمس مداخل (اي خمس بوابات).
         وفي عام 1925م تزوّج السيد توفيق من فاطمة إسماعيل عقيل من سيناي ونقلت العروس إلى قلعة ميس وقبل العرس أرسل والده مع إبنه أحمد نعارة سمن مع كيس أرز إلى أهل العروس للقيام بالواجب. وفي هذا العام تزوّج جدّه السيد حسين السيد أحمد وكان عمره 85 سنة من ما شاء الله أحمد ياسين. وكذلك تزوّج ولداه: السيد عبدو من آمنة عبد الرسول خليل أبو دلاّ وتزوج شقيقه السيد أمين من زينب علي عثمان، فكانت "الداية" القابلة عند الولادة تنتقل من منـزل الجد وابنيه إلى منـزل الحفيد السيد توفيق فكانت أعمار أولادهم: جواهر وحسن عبدو ومريم توفيق وعلي أمين متقاربة.
        
         والجدّ السيد حسين السيد أحمد من مواليد عام 1845م وتزوّج عام 1925م الزوجة الثالثة فكان عمره 85 سنة وأنجب 5 أولاد وتوفي عام 1939م بعد ما عاش مليّاً. وقبل وفاته بفترة قصيرة عن عمر 95 سنة مرض فقالت الحاجة ما شاء الله لابنه السيد عبدو أنها حامل، صعق لهذا الخبر وأخبر حالاً إمام البلدة آنذاك سماحة السيد محمد علي إبراهيم الذي استمع إليها وإلى قول السيد عبد اللطيف حسين السيد أحمد بأنه سمع والده يقول لها اقلبيني عليكي(ولما فاتها فاتتها)  وكان عمره 95 سنه وهي في سن الثلاثين, فسجل سماحته إبتداء تاريخ الحمل وبعد 9 أشهر من وفاته ولد لها صبي سمي باسمه حسين السيد حسين السيد أحمد فورث كسائر أفراد العائلة.
واصبح أبو علي حسين حسين مواليد 1939 آب لعائلة من أبناء وأحفاد وأحفاد أحفاد, طوله 185 سم ووزنه 80 كغ وهنأه الدكتور جمال عبد الحسن عميس بعد مشابكة بالايدي بينهما على قوته ورجولته سيما وانه صناعة ابن ال95 سنة.
         عام 1932م عام الإحصاء في الجمهورية اللبنانية تحوّل السيد توفيق كسائر اللبنانيين عامة من الجنسية العثمانية ودولة لبنان الكبير إلى جنسية الجمهورية اللبنانية. وكانت اللجنة المكلّفة بالإحصاء متواجدة في غرفة السيد حسن خليل على طريق البيدر (منـزل عاطف نور الدين حالياً) ولجنة الأهالي مؤلفة من السيد حسن خليل والمختار أحمد علي حسين والنواطير أبو جميل قاووق وأبو موسى جفال وأبو حسن محمد عز الدين (السمرة) وأبو محمود علي ذياب يصطحبون الأهالي من رجال ونساء وأولاد وأطفال إلى مقرّ اللجنة ومعهم بيانات بأسماء افراد العائلة.
         فسألت اللجنة أبو جميل ما اسمك: قال: خليل سارة. فردّ السيد حسن خليل قائلاً إسمه: خليل إبراهيم قاووق. وسئل حسين الشيخ ما إسمك: قال يا جاري حسين الشيخ. فقال السيد حسن إسمه حسين الشيخ محمد معلم. وسئل السيد علي: فقال علي السيد حسين سيد احمد ترحيني: ولفت أنظار اللجنة أسماء مثل: حمودي وحمتو وحمود, فقال جارنا السيد ابو علي خليل علي محمود ترحيني نقلاً عن المرحوم الحاج قاسم ابراهيم عميس بأن هذه اسماء دلع.
         عمل السيد توفيق في الفلاحة ومواسم الحصاد وضمن "الخلقينة" في موسم سلق الحبوب على عين مزرعة سيناي. وانتقل للعمل في فلسطين مع أخويه محمد وأحمد وعمهما عبد اللطيف وجارهما كامل كلوت الذي علمهم مبادئ القراءة والحساب وجزء عمّ، وبقي السيد توفيق طيلة حياته ينادي الحاج كامل "يا شيخي".
         ثم عاد للبلدة واستقر في الضيعة في القلعة "السكن الحالي" ولكن في أوائل الأربعينات من القرن الماضي أصاب داء الجدري الأهالي في بلدة عبّا وحجر عليها  بمنع الدخول والخروج من البلدة ففصل السيد موسى علي القلعة عن الضيعة بحاجز بلاّن أمام منـزل السيد حسين أحمد مانعاً الدخول والخروج  وهكذا سلم حي القلعة من هذا الداء الخبيث الذي أودى بحياة الشباب والنساء والأطفال وعدنا الى الضيعة بعد غياب قسري في مزرعة سيناي.
         كان السيد توفيق أميّاً، وعندما كان في قرية سيناي سجّل إبنه البكر شريف في مدرسة أنصار الرسمية يدرّس فيها معلّم واحد هو الأستاذ سميح دخيل شاهين، وبعد انتقاله إلى قرية عبّا سجّل أولاده في كتاتيب البلدة الخاصة التي توالى عليها من عام 1935 حتى عام 1945 المقرئون الشيخ إبراهيم زهر الدين من برج البراجنة والشيخ بهيج هزيمة من نابلس والشيخ حسين موسى من الكفور والشيخ خليل ريحان من كفرصير.
         وانتشرت المدارس الرسمية في القرى المجاورة وأصبحت الحاجة ماسّة لوجود مدرسة رسمية في عبّا، فتقدّم السيد توفيق عام 1945 بعريضة إلى وزارة المعارف آنذاك، وقّعها مختار البلدة السيد أحمد حسن خليل ووجهاؤها مطالبين الدولة بفتح مدرسة رسمية في القرية البالغ عدد سكانها آنذاك ألفا نسمة. استجابت وزارة المعارف للطلب وأرسلت وكلاء معلمين أهمهم الأستاذ أسد الشيخ الذي أرسى قواعد التعليم بين الطلاب بجهد ونشاط وكانت المدرسة غرفة واحدة في غرفة القرميد خاصة الحاج عبدو عيسى معلم.
         هذه العريضة نشرتها جريدة "صوت الشعب" الشيوعية بتاريخ 8/4/1945 في زاوية "رسائل وأنباء الجهات" –عبّا- النبطية وفقاً لما يلي:

رسائل وأنباء الجهات:
عبّا – النبطية:
         في قرية (عبّا – النبطية) ألفا نسمة من السكان، المواطنين اللبنانيين. ومع ذلك لم توجد فيها مدرسة رسمية منذ وجدت حتى هذا اليوم. وبعد مساع كثيرة ومراجعات ومشقات مختلفة قام بها مختار "عبّا" وأهاليها نالوا وعداً من الحكومة  السابقة، بأن تعيّن لهم معلماً، على أن يقدموا هم البناء والطاولات والمقاعد وسائر لوازم المدرسة، على نفقتهم، وقد هبّ الأهالي بالرغم من فقرهم وقلة ذات يدهم، إلى بناء مدرسة ملائمة، وإيجاد جميع لوازمها، وباتوا ينتظرون الوعد "الصادق"! ولكن عاماً مرّ، دون أن تفي الحكومة بوعدها، أو بالأحرى دون أن تقوم بجزء من واجبها تجاه مواطنين لا ينالون من الحكومة غير ثقل الضرائب واضطهاد الدرك وعسف الجباة طول حياتهم.
         إننا نطلب تعيين معلم لقرية "عبّا" وغيرها من القرى المحرومة التي تشكو شكواها. فمن العار أن يحرم ألفا نسمة من العلم في عهد نريده ديموقراطياً وطنياً.
8/4/945 جريدة صوت الشعب
         وفي العام الدراسي 1945-1946م انتقل حسن وخليل توفيق ترحيني إلى مدرسة النبطية الرسمية مع عبد الحسن يونس عميس وأحمد السيد. وفاز الجميع بشهادة السرتفيكا الإبتدائية عام 1949م. وهذا أول عهد لبلدة عبّا بشهادة رسمية من الدولة فقال المختار السيد أحمد حسن خليل "طلع من جب الزعتر مسّاس"، وكانت المواصلات مع النبطية سيراً على الأقدام عن طريق قلعة الصعبة والزغرين ثم حاروف وزبدين والنبطية. الطريق صعبة وغير معبّدة وحياة قاسية لاخرجية ولا مصروف بل أجار سكن في النبطية والزوادة ترسل لنا عن طريق المكارية.
         وكان السيد توفيق يعمل في المواسم حتى اذا انتهى موسم القمح والحصاد والتذرية كان ينزل الى بيروت للعمل على مستودعات البور مع أبناء بلدته. وكان العمل افراغ مستودعات البابور من القمح ونقله الى الشاحنات. والعمل كان شاقاً وعنيفاً. اذا حضر البابور اشتغلوا واذا تأخر انقطعوا عن العمل. وكان ينام مع  ابناء بلدته في دار الحاجة المازة في المصيطبةز فالغرف للعائلات والدار الواسعة للعمال.
         وحصل في منتصف الأربعينات من القرن الماضي خلاف بين الشركة المستثمرة وبين العمال. فأهينت كرامتهم. فانبرى السيد زين هاشم من حاروف ونادى على العمال ان ارموا شراشيركم في البحر (جمع شرشور, حديدة في مسكة تسهل حمل الشوال) فقد أهينت كرامتنا ولا رجعة للميناء بعد اليوم. وتعاونوا فيما بينهم على تأمين العمل في الأسواق والأحياء والأوتيلات والمقاهي وبيع اللبن والكعك والجرائد والزهور والخبز والعمل في البلدية.
         في هذا التحول الجديد حصلت اشكالات عديدة فكانوا يلجأون الى زعيم يحميهم ويدافع عنهم وكان اسم رشيد بيضون أخذ يلمع في العاصمة بعد ان حققت عائلته مركزاً مرموقاً في التجارة وفي ميدان التعليم ومساعدة الفقراء والمحتاجين. وكانت قبضايات الشيعة في بيروت أخذت تظهر وتلتف حوله واصبح مرجعهم وسندهم في حل مشاكلهم. وأصبح رئيساً للجمعية العاملية في بيروت التي افتتحت مدرسة في محلة الناصرة أولاً وثانياً بانشاء الكلية العاملية في شارع عمر بن الخطاب التي تخرج منها العديد من ابناء جبل عامل ورفعت شأن الطائفة الشيعية في العاصمة بيروت.
         أصبحت الجمعية العاملية محل اعجاب الشيعة قاطبة ومدرستها تأوي ابناءهم وتساعد فقراءهم بالانتماء للمدرسة مجاناً.
         لذلك تداعى وجهاء الشيعة وعلماؤها بتأييد الزعيم رشيد بيضون مع تعاونهم معه ومن هذا التعاون كانت ولادة منظمة الطلائع بموجب مرسوم صادر عن وزارة الداخلية عام 1944م وفقاً لما يلي:
تأسيس منظمة الطلائع
في 30 حزيران 1944, أعطى وزير الداخلية كميل شمعون العلم والخبر بتأسيس منظمة الطلائع, مع الاشارة الى اسماء الهيئة التأسيسية المؤلفة من هدى رمضان ممثل الجمعية لدى الحكومة, عبدالله حامد مطر, معروف سمّوري وعلي احمد يوسف أعضاءاّ. وقد ورد في القانون الاساسي للمنظمة, ان الغاية جمع كلمة الشباب في لبنان وتقوية الروح القومية ومحاربة الامية بفتح المدارس النهارية والليلية. وقد اجيز للطلائع ممارسة نشاطها وفقاً للمبادئ التالية:
أولاً: سيادة لبنان الكامل واستقلاله الناجز التام:
ثانياً توحيد التعاون مع البلدان العربية الشقيقة, وتوثيق الروابط بين المقيمين و المغتربين.
ثالثاً: محاربة الامية و الجهل  
رابعاً: توفير تحسين مستوى الفلاح والعامل.
ان بعض هذه الاهذاف والمبادئ, كانت تفرض على كل منظمة سياسية تريد ترخيصاً رسمياً, وأولها " الاعتراف بسيادة لبنان الكامل واستقلاله الناجز والتام". اما حقيقة اهداف الطلائع, فهي كما ورد عند عميد الشؤون الرياضية جمع كلمة الشباب الشيعي الاتي الى بيروت وإعداده عملياً عن طريق الرياضة, وإقامة المخيمات, محاربة الامية, وتنظيمه جسدياً لإثبات الوجود السياسي المنظم للطائفة الشيعية, مقابل السياسي للطوائف اللبنانية الاخرى.([1])
جاء تنظيم الطلائع على غرار المنظمات شبه العسكرية في لبنان كالكتائب والنجادة وكانت كل الفرق تنتظم تحت إمرة القائد العام" مصطفى المقدم" يعاونه ضباط المناطق والافواج, وكانت كل فرقة تطلق على نفسها اسماً معيناً مستوحي من أئمة الشيعة وأعلام المسلمين ورموز عربية ولبنانية. كان لباس الطلائع موحداً: لباس كاكي وشارات خضراء ولهم فرقة موسيقيه ومن وقت لآخر كانت تفتح دورات لتجنيد ضباط. وقد اتخذت المنظمة شعاراً لها سيف ذي الفقار, وكان لها نشيد خاص. وفي 14 حزيران 1946 اسس النازحون الشيعة في حيفا فرعاً لمنظمة الطلائع.([2])
كانت الاكثرية الساحقة من أعضاء المنطمةمن الشيعة. لهذا كان لها فروع في مناطق متعددة وخاصة في الجنوب. لم يكن للطلائع اي توجه سياسي باستثناء الدور الذي لعبه رئيسها الاعلى رشيد بيضون, على صعيد المجلس النيابي. فقد كانت تحالفات المنظمة تتم من خلال تحرك رئيسها. وكانت تقوم بتنظيم الحملات الانتخابية في القرى الجنوبية لرئيسها وحلفائه.
تعددت نشاطات منظمة الطلائع, فشمل مجالها الاجتماعي عناوين مختلفة منها: الرحلات, التخييم, الزيارات للمناطق, سهرات طلائعية, النشاط الرياضي والكشفي, المناسبات الدينية, نشاط تربوي, محاضرات تثقيفية, نشاط صحي, الاهتمام بالمغتربين, توطيد العلاقة مع رجال الدين الشيعة.
احدث انتشار مراكز الطلائع في معظم قرى الجنوب وبزخم كبير وبتعاطف من بعض الزعماء المنافسين لأحمد الاسعد, ردّة فعل عند الاخير لإنشاء منظمة النهضة عام 1946.



[1]- غسان عيسى, منظمة الطلائع في لبنان من خلال وثائقها الاصلية1944-1974 رسالة دبلوم في التاريخ,(بيروت: كلية الاداب في الجامعة اللبنانية, 1993) الصفحتان 129 و130
[2]- المصدر نفسه, الصفحات 147 و159 و 164
_________________________________



حزب النهضة:
اعتبر احمد الاسعد الالتفاف الشيعي حول منظمة الطلائع برئاسة رشيد بيضون في بيروت والجنوب, غاية في الخطورة على زعامته التاريخية للطائفة, لاسيما أن بيضون راح يوظف ظاهرته في السياسة عبر ترشحه للنيابة في الجنوب مع خصوم أحمد الاسعد من آل الزين وعسيران والخليل. كما ان هذه الحالة الشيعية التي احدثها رشيد بيضون في العاصمة, تعني دخول عنصر جديد يمكن ان يؤثر على"التحالف البورجوازي" الماروني – السنّي في الحكم وكان التقاء المصالح بين الفريقين البورجوازيين والاسعد. دافعاً للسير في محاربة ظاهرة رشيد بيضون. ويشير الشاعر موسى الزين شرارة الى ان رياض الصلح شجّع الاسعد على تأسيس منظمة النهضة عندما قال:
مابين نهضتكم وطلائعي                   الشعب أصبح كالغريب الضائع
ورياض ينظر من بعيد قائلاً                         قد كان هذا كله بأصابعي
ويروي خضر الجوني كيف توجه مع القبضاي حمزة السبع مع مجموعة الشباب إلى منزل رشيد بيضون طالبين دعمه لتأسيس "جمعيّة الكف الأسود", للدفاع عن أبناء مذهبهم ومعاقبة كلّ من يعتدي عليهم. لكّن رشيد بيضون لم يوافق فذهبوا إلى أحمد الاسعد الذي وعدهم بتأسيس هذه الجمعية, لكن الأسعد أسّس حزب النهضة لاحقاً وضمهم إليه.[1]
ولدت منظمة النهضة عام 1946, من رحم جمعية خيرية تحمل الاسم نفسه في برج البراجنة. وبعد ان كثر المنتسبون, انتخب احمد الاسعد رئيساً,.وخضر الجوني نائباً للرئيس وعباس الحاج وعبد اللطيف حمدان وعكيف السبع ومحمد حيدر وسليمان الاسمر وجميل وحسن اليتيم وأديب خليفة أعضاءاً, بالاضافة الى محسن سليم مستشاراً قانونياً.



 [1]د.طلال عتريس الشيعة في لبنان: دار المعارف الحكمية بيروت 2012م ص 161.
_______________________
نشأت النهضة كتنظيم شبه عسكري, وكان لها مجلسان عسكريّ وآخر مدني, ولأعضائها لباس موحد. اتخذت لها مركزاً رئيسياً في الباشورة, واستحدثت لها فروعاً في كل القرى الجنوبية, حيث يوجد مراكز لمنظمة الطلائع. وكانت الفرق تحمل اسماء مستوحاة من أئمة اهل البيت
قامت منظمة النهضة على الاهداف التالية: نصرة الفقير, إعطاء كل ذي حق حقه, السعي الى تسهيل معاملات الفقراء من كل الطوائف في أجهزة الدولة وانصاف الطائفة الشيعية والمساواة بينها وبين باقي أبناء الوطن.
وفيما يلي القانون الأساسي والداخلي لحزب النهضة:
القانون الاساسي لحزب النهضة:
المادة الاولى – اسس في لبنان حزب سياسي اسمه حزب النهضة مركزه بيروت وله فروع في جميع المناطق اللبنانية.
المادة الثانية – ان هذا الحزب سياسي يهدف الى الاصلاح العام في جميع نواحيه.
مبادئ الحزب واهدافه
المادة الثالثة – يعمل الحزب للمحافظة على استقلال لبنان وتامين سيادته.
المادة الرابعة – يؤمن الحزب بعروبة لبنان وبضرورة التعاون الى اقصى حد ممكن مع سائر الاقطار العربية التي تجمعه بها روابط التاريخ واللغة والمصلحة.
المادة الخامسة – يعمل الحزب على نشر هذه المبادئ المذكورة كي يصبح دستوراً يؤمن به كل لبناني.
المادة السادسة – يحارب الحزب كل نزعة طائفية بغيضة. ويرى ان الواقع اللبناني يفرض شمول العدل والانصاف جميع اللبنانين على السواء رغبة في ازالة روح التفرقة.
المادة السابعة – ان الحزب شورى ديمقراطي يطبق هذه المبادئ لسير اعماله وادارة شؤونه.
المادة الثامنة – يعمل الحزب على ابادة الاقطاعية البالية والزعامات التي لا تستند الى مبادئ صحيحة ومناهج واضحة.
المادة التاسعة – يسعى الحزب لرفع المستوى الاجتماعي والثقافي والاقتصادي والسياسي والاداري.
المادة العاشرة – ان الحزب يحارب الحهل والفقر والمرض ويسعى لتأمين حياة رغدة لكل مواطن لبناني بالوسائل الآتية:
أ‌-              مكافحة الامية وتعميم التعليم الابتدائي الاجباري لكل فتى وفتاة
ب‌-          تحسين حالة القرية وتنمية مواردها الزراعية والاقتصادية وانعاش الفلاح بكافة الوسائل والمشاريع المجدية كجر المياه وشق الطرقات والانارة بالكهرباء وتخفيف الضرائب وتعميم الوسائل الفنية.
ت‌-          مكافحة البطالة والاهتمام الكلي يشؤون العامل اللبناني وضمان حقوقه ورفع مستواه مادياً ومعنوياً.
أ‌-              تعميم طرق الوقاية وايجاد المشاريع الصحية وتشجيعها وانشاء المستشفيات المجانية ودور الايتام ومآوى العجز.
المادة الحادية عشرة – يبث الحزب روح الاخوة والمحبة بين افراده ويفرض عليهم التعاون.
المادة الثانية عشرة – يهتم الحزب اهتماما خاصاً بالقسم المغترب من لبنان ويسهر على تعزيز الصلات بين ابناء الوطن المقيمين واخوانهم المهاجرين.
المادة الثالثة عشرة – يعتبر الحزب ان الحريات جميعها ضمن حدود المصلحة العامة حق طبيعي للأنسان لذلك فهو يدافع عنها بكل ما اوتي من قوة.
المادة الرابعة عشرة – يعمل الحزب على انهاض المرأة ورفع مستواها
المادة الخامسة عشرة – يعمل الحزب على تشجيع الرياضة وبث روح التنظيم.
المادة السادسة عشرة – يسعى الحزب لتطبيق هذه المبادئ ويعتبر ان الحكم وسيلة فعالة للأصلاح وليس بغاية.
المادة السابعة عشرة: لا يجوز تعديل احدى مواد هذا القانون الا بموافقة ثلثي اعضاء المجلس الاعلى.
تداعيات التنافس بين الطلائع والنهضة
بعد قيام المنظمتين الشيعيتين انقسمت الطائفة على نفسها, بين مؤيد للطلائع كعادل عسيران وكاظم الخليل, ومؤيد للنهضة كوزير الداخلية صبري حمادة الذي استند الى دعم اجهزة الدولة.
سهل هذا التنافس مناخ الصدامات, للسيطرة على الساحة الشيعية. وكان لمنظمة النهضة فرقها الصدامية بقيادة نائب الرئيس خضر جوني ومصطفى السبع حيث اتخذا مقراً لهما في كراج صيدا في ساحة الهول لاحقاً ساحة رياض الصلح. وكانت مهمتهما اعتقال وخطف عناصر منظمة الطلائع وتعذيبهم. اما اجهزة الدولة كانت تتدخل وتتوسط لإطلاق سراح بعض المعتقلين. وكانت التهمة المنسوبة شتم أحمد الاسعد أو منظمة النهضة. لم تقتصر  الصدامات على بيروت, بل امتدّت الى الجنوب مما ادى الى سقوط عدد من القتلى والجرحى. وقد قامت جماعة محمد الفضل في النبطية بنزع شارة كل طلائعي يمر في البلدة, ووصل الامر الى منع الطلائعيين من الوصول الى اعمالهم, وهذا ما أجبر عدداً من الطلائعيين للالتحاق بالنهضة وقد اعترفت مصادر في الطلائع, ان الاحداث التي حصلت, أوجدت متاعب للطلائعين الذين راحوا يقدمون استقالاتهم, سواء على صعيد الافراد ام القيادات.
في آذار 1947 اصدر وزير الداخلية صبري حمادة قراراً بوقف نشاطات الاحزاب شبه العسكرية. وقد التزم رشيد بيضون بتجميد نشاط منظمته و نقل ترشيحه للنيابة من الجنوب الى بيروت, تحت ضغط الهجمة التي تعرض لها وانصاره في هذه المنطقة.
لم يكن لمنظمة النهضة نشاط خاص باسمها سوى تهديد منظمة الطلائع, وما تبقى اختصر بما يقوم به الزعيم احمد الاسعد. وفي كراس يحمل عنوان الجنوب في عهد الزعيم الاسعد 1947 – 1951 ضمَّ الكثير من المشاريع التي انجزها الاسعد في الجنوب بالتفصيل, وخصوصاً تنفيذ مشروع ري القاسمية. كما يتضمن الكراس بعض الشعارات التي اطلقها الاسعد في الحملات الانتخابية منها: " ايها العاملي نريدك ان تحمل معولا تقوض به صروح الغرور و الرياء, وفأسا تحطم به هياكل الاقطاعيين المستبدين, ومطرقة تزيل بها معالم الرجعية والنفعية والاستغلال والفجور"([1]) .
معركة الطلائع والنهضة في عبّا
انخرطت افواج الشباب والكهول في الطلائع وأنشئ فرع لها في عبّا برئاسة ابراهيم محمد جواد والضابط شريف اسماعيل والشرطي امين أحمد والكاتبان محمد داوود حريري وموسى أحمد. والتدريب في ساحة آل هارون ومركز الطلائع في الساحة العامة في نادي الامام محمد الباقر (ع) الذي شيّد على ضرر مقابل دكان السيد احمد يوسف أسعد.
وحضر فوج الطلائع من بيروت الى البلدة لأول مرة عن طريق شلبعل الكراسي – الوطى – المغاريق بلباسهم الكاكي مع الشارات الخضراء والنجوم الصفراء. تقدموا الى البلدة بصفوف



[1]- الطلائع والنهضة من بحث للدكتور علي شعيب في كتاب الشيعة في لبنان – دار المعارف الحكمية، الطبعة الاواى، 2012 م، ص 287-288-289-290-291-292.
_______________________

منتظمة مع استقبال حاشد من الاهالي. وابتدأ  التنظيم والتدريب ليلياً في ساحة آل هارون مع قبل المدربين والضباط.
 وتأسس فرع لحزب النهضة في بيروت لبعض الشباب من العائلات الصغيرة في دار ام حسين على قبر الوالي والاشتراك الشهري ليرة لبنانية.
         وفي الضيعة كان مركز النهضة السري في منـزل شريف يوسف أسعد في الساحة العامة ورئيسه توفيق ترحيني والضباط مهدي عقيل ومحمد السيد علي وحسين زينو عميس وجميل قاووق وأمين الصندوق أحمد حسن عبد الله وممثل شباب الإرتباط حريري داوود حريري. ولباس النهضة بدلة كاكي وشارات حمراء.
         البلدة كلها مع الطلائع والنهضة أقلية ومن الفلتية ومتواجدون في بيروت ومن العائلات الثانوية في البلدة ومغضوب عليهم خاصة من آل علي حسين وآل خليل أصحاب القدرة والقوّة والتحكّم في أمور البلدة. ومطاردة شباب النهضة ونزع ازرار الحزب عن صدورهم ومنع مواشيهم من (العجال).
         اشتد الصراع بين النهضة والطلائع ودارت المعارك في بيروت وقرى جبل عامل، إفرادياً وجماعياً، وشباب النهضة في بيروت عيونهم على البلدة وعلى بيوتهم وأراضيهم، فجمعوا أمرهم على رأي واحد بغزو الضيعة فأعدّوا العدّة ورصّت الصفوف وازداد التدريب على القتال. وآزفت الآزفة. فنـزلوا على بلايط بلدة جبشيت من البوسطة التي أقلّتهم من بيروت إذ لا يوحد طريق عام إلى عبّا ومن هناك سار الموكب من جبشيت إلى عبّا فعين الفوقا فبيدر زيدان والحمّارة، تواكبهم فرقة راجلة في المدوّر وعين بيّارة هذه الفرقة المساندة معها سلاح في السلة بقيادة محمد السيد علي، وظهرت البلدة لصدّ الهجوم وكسر شوكتهم بانتشارهم في كرم دقماق وقلعة الصعبة لعلمهم أن جحافل المهاجمين ستجتاز الزغرين ولكنهم فوجئوا بانتشارهم السريع عن طريق بيدر زيدان والحمّارة فتغير تكتيك الإستراتيجية الدفاعية إلى تصدّيهم في الحمّارة والزواريب بعد ما اخترق شباب النهضة زاروب علي مصطفى وزاروب حسين على سارة وشنوا هجوماً قوياً على الساحة... فدارت المعركة بقرقعة العصي وأزيز الحجارة وحمي وطيس الواقعة بالأيدي والمغالبة والكرّ  والفرّ. فتعالى الصياح والمطاردة كانت من منـزل إلى منـزل ومن دار إلى دار، وغطى الغبار سماء البلدة، فلجأ شباب النهضة إلى منـزل شريف يوسف أسعد واخترق الصفوف السيد توفيق وتمترس في بيته في القلعة بعد ما نجا من كمين نصبه له رجال الطلائع قرب الجامع بقيادة السيد يوسف علي حسين الذي شهر مسدسه ولكنه روكب. بدأ الإعياء والتعب على جبهات القتال في الضيعة الكثيرة العدد من رجال ونساء وأولاد (الطلائع). دهمتهم عزائم شباب النهضة بفعل التدريب الذي خضعوا له في بيروت عند علي حراجلي، وحي الوتوات وزاروب الطلميس ولكن حبال رجال الضيعة وعصيهم وحجارتهم أخذت من أجساد شباب النهضة مأخذاً كبيراً ولم تنقذهم جزاميهم اللماعة ولا خيزراناتهم المصقولة.
فالقتال عنيف والغلبة لمن يحسن فن القتال إذ لا مجال في هذه المعارك للاعب فن البوكس ولا فن المصارعة من محترفين وهواة إذ أن أبا سعيد حسن علي حسين حمل على مصارع محترف فكسر بعصاه يديه ورجليه وحطم جمجمته فالمتفوق في هذه المعركة لمن يتناول خصمه بضربة عصا من فوق سبع زلم. كل الأحياء والزواريب ملتهبة يدور فيها القتال ما عدا ساحة البركة من خلة النبية لجل المصري فكانت تحت السيطرة إذ ان حريري داوود حريري الأسعدي (أبو أسد) كان يقود المعركة من داخل البيت والأبواب مسكرة يصدر الاوامر مما أتاح لشباب النهضة التحكم بزواريب ساحة آل هارون وخاصة زاروب وهبي يونس ليردوا الحملات الشرسة من الطلائع على منزل أمين الصندوق أحمد حسن عبدالله سلامة (منـزل أبو حسن حسين علي محمود الآن). وهكذا حميت كل الجهات وشهد هجوم النهضة على الطلائع التحاماً مباشراً و"صدراً لصدر" بين عناصر الطرفين.
وقبل غروب الشمس انتقلت المعركة الى البيوت والسطوح. فلم يزل القوم في القتال إلى أن جنحت الشمس للمغيب. وكانت السيطرة للطلائع مع بقاء بعض الجيوب في القلعة وساحة التنور وحول بئر المياسي وزاروب العسكري أو العسكور قرب التنور. مما أسفر عن تصدّع جبهات الطلائع فمنيت بخسارة كبيرة مادية بفدوغات وجروحات ومعنوية بكسر الهيمنة والتسلط في البلدة. ونامت البلدة على الرجاء: متابعة القتال في الغد.
         لجأ الناس الى النوم والأبواب مقفلة والعجّال (بقر + عجول + ثيران) في البراري والحواكير والخيول شردت والدواب هربت.
         وعندما اعتكر الظلام وحلّ وقت الأذان صعد السيد علي موسى ياسين وهو الوحيد الذي لم يقاتل صعد الى سطح        منـزله المتسع بعدة سطوح منادياً: يا أهل يثرب لا أباً لكم. يا أهل الأوس والخزرج يا أبناء الزغرت والشمرت تباً لكم. ورفع الأذان ولا حياة لمن تنادي. وكانت هذه المعركة بروفه لعدة معارك لما عانيناه من الثنائي الشيعي- الشيعي أو الشيعي au) carré ) بعد نصف  قرن ونيّف.
         نامت الضيعة ولم تنم وأفاقت على حصار أمني من الدرك والجندرمة والخيالة (ثلاثة القاب لوظيفة واحدة) وأعلنت حالة الطوارئ وقيد الجميع سيراً على الأقدام إلى سرايا النبطية وزجوا في السجن لا أكل ولا شرب. ضاعت المعنويات وخارت القوى وأهينت الكرامات ولكنه كما يقال اذا "الدنيا خليت خربت" فلم تخل من همة عالية ومحتدٍ كريم متمثل بالسيد محمد يوسف أسعد إذ أنجدهم بكرمه وجوده بإرسال الطعام والشراب للجميع وجلب الأدوية والألبسة فأتت مساعيه وهو صاحب الجاه, مع المسؤولين في السرايا ومع حاكم الصلح بمصالحة بين جميع السجناء والأفراج عنهم. فهدأت النفوس وصفيت النوايا وأصبحوا صفاً واحداً حول السيد محمد يوسف أسعد إذ هبت البلدة بشيبها وشبانها ونسائها وأطفالها ليلاً، والأيام مع مشارف نهاية شهر رمضان، الى حمل جثمان شقيقه السيد داوود يوسف أسعد من بلدة الدوير مروراً بالوطى إلى البلدة الذي توفي إثر عملية جراحية في المستشفى الفرنسي في بيروت وبمناسبة عيد الفطر السعيد تنادت البلدة إلى دار السيد محمد يوسف فكان لقاء ود وإخاء.
         وعزز مبادراته الخيرة بأن أولم السيد محمد يوسف أسعد لوجهاء المنطقة في دارته في عبا حضرها وجهاء القرى المجاورة ووجهاء البلدة نظير السادة: عبدالله  عياش وذيب نحلة وآل شاهين, وآل كركي والشيخ يوسف حايك والحاج عبد الغفار حرب وابو عزت فحص والعوف والسيد علي قاسم وأبو الماضي وغيرهم.
         وفي عام 1949م صدر قرار من السلطة اللبنانية بحلّ حزبي النهضة والطلائع. وانتهت المعارك وأصبحت المنافسة سياسية بين آل الأسعد وآل عسيران في الجنوب.
         مع صعود نجم الزعيم أحمد الأسعد في جبل عامل وفي المجلس النيابي قويت شكيمة الأسعديين في عبا, فمال السيد اسماعيل مع عائلة آل علي حسين إلى السيد توفيق بعد رفع الحكم عن شقيقه السيد يوسف وتجريمه للسيد عبدالله جواد زوراً وبهتاناً فغدت كفة ميزان الأسعديين في الضيعة (طابشة).
أصبح الأسعديون الأكثرية وترحرحوا في تحركهم وأعمالهم في البلدة واهتموا بالاعلام وخاصة إعلام الدكاكين واعتمدوا دكان علي جواد للتموين. الأمر الذي أربك أبو خليل محمد حسن خليل: مقاطعة من الأسعديين وعدم مبالاة من العسيرانيين. وهو من بيت عريق سيما وأن والدته (صالحة) صاحبة الجاه والمال والحشم والخدم, تدير تركتها الواسعة بهمة ونشاط فتزوجها السيد حسن خليل مرغمة وأنجبت ابراهيم ومحمد.
عاشوا أيام المجاعة بعز ورفاهية والآن عز عليه أن يغمز من قناته فعاتبه أبو محمد رضا محمد علي وقال له لا يصلح الحال إلاّ بحسن المقال وذلك بتعليق صورة الزعيم أحمد بك الأسعد وهكذا كان أحضر أبو محمد رضا الصورة وعلقها في صدر الدكان. فشاهدها الأسعديون وزحفوا زرافات ووحداناً لشراء الحلويات العربية. وأصبح الدكان مقصداً للجميع ويباع ليلياً سدر أو سدرين حلويات فاخرة. فازداد شأن الأسعديين بوقوف أبو خليل إلى جانبهم حتى أنه حدث مرة أن قرأ ابنه جميل سورة "الفاتحة" لجده السيد حسن خليل. عاجله أبو خليل محمد صالحة بضربة كف وقال له: اقرأ سورة "الفاتحة" (لصالحة) والدته فقط لا غير.
هذين التنظيمين شغلا حيّزاً كبيراً في حياة الناس وأوجدا خضة في عقولهم فكرياً وثقافيا وتجارياً.
عام 1942 م وعام 1950 م: حدثت مشاكل ومعارك بين الاهالي وانقسمت العاثلات على نفسها واشتدت العصبية العائلية وانتقل الجميع في جبل عامل من مجتمع القرية الى مجتمع رحاب الوطن ابنداءا من عام 1950.
         وتردّد الناس كثيراً على المخافر والمحاكم وذاقوا طعم الأمية والجهل فسارعوا الى تعليم اولادهم و تعزيز المدرسة الرسمية فتغيرت العادات و ذهب عهد الشروال و الطربوش فمقابلة الزعيم تتطلب ارتداء الألبسة الأنيقة و الطقم الجديد المناسب. وزيارة الزعيم كل اسبوع لتقديم التأييد و طلب خدمات اجتماعية للبلدة و مراجعات في الدوائر الحكومية.
وابواب الزعماء كانت مفتوحة للجميع. فطالب الحاجة اذا ما تحقق الطلب في الطيبة ذهب الى كفررمان (يوسف بك الزين) أو الى آل الفضل في النبطية او الى آل الخليل في صور أو الى آل عسيران في صيدا. واصبح في كل بلدة مفتاح للبيك أو وجيه بفتح بيته للمتحازبين ويكون صلة وصل ما بين البيك والأهالي وهكذا علقت صور الزعماء في بيروت وفي الشوارع وقراءة الجرائد والبيانات الصادرة عن دار الزعامة وانقسمت البلاد ما بين العائلات الكبيرة لأظهار النفوذ والزعامة في البلدة الواحدة.
         ففي عبا كان الخلاف حاداً بين عائلتي آل علي حسين وآل خليل, وفي الدوير: رمّال وقانصو, وفي انصار: فياض وعاصي, وفي الغازية: خليفة وغدار, وفي حاروف: عياش وعطوي وحرب, وفي جبشيت: حرب وفحص, وفي بنت جبيل: بيضون وبزي.
ففي منطقة النبطية تعرف ان الانتخابات بدأت بأن يفدغ يوسف فارس من زوطر الغربية رجلاً من كفر تبنيت بضربة عصا على رأسه فيجري الدم وتبدأ المعارك الانتخابية هذا على سبيل المثال والعكس بالعكس.
وفي القرى كان للأقليات دورهم في رحجان كفة العائلات الكبيرة في الخلافات الجديدة التي تركزت على زعامتهم في الجنوب:
الأسعدية والعسيرانية وكان لكل فرقة سيارتها العاملة على خط النبطية. وكذلك تسريح البقر في العجال فيقتصر الامر على المحازبين الاقوى في البلدة: فراعي العجال والناطور ومراسل الدخان ومعلم المدرسة والمختار تصب مرات عديدة في خانة واحدة اسعدية او عسيرانية.
وانتشر لبس بناطلين بنفاخات وجزامي لماعة مع عصا غليظة و"فرد بكر" وجفت دك وبرن.
فالسيد توفيق ترحيني باع العجل ليغطي زيارة احمد بك الاسعد الى عبّا.
والسيد كاظم هاشم في النميرية باع البقرة ليستقبل احمد بك الاسعد وفي بلدة انصار قوي الخلاف ما بين عائلتي فياض وعاصي. فنصب آل فياض مدفعاً على تلة فوق البركة لدك بيوت آل عاصي قرب الجامع في الساحة العامة.
وكانت وسائل الاتصالات ما بين الزعيم ومؤيديه في المناسبات العامة: احتفالات وانتخابات: جماعة من الرجال الأشداء (الزلم) يطوفون القرى والبلدان لايصال رسالة من البيك الى المفاتيح الانتخابية.
وكذلك كان مفاتيح البيك يجتمعون سوياً ويذهبون معاً لمقابلة البيك على حسابهم الخاص ويتكلفون ااموالا طائلة في هذا المجاال.
وعلى سبيل المثال: كان خليل رمال من الدوير: يجمع مفاتيح الاسعد في قضاء النبطية ويذهبون معاً الى الطيبة: نظير السيد توفيق ترحيني من عبّا والحاج خليل حايك من عدشيت والحاج عبدالله عياش من حاروف والافندي صلاح فياض من انصار والحاج عبد اللطبف شعيب من الشرقية وأبو قاسم مروة من الزرارية وحسن الجوني من حبوش.
كان عمل هؤلاء المفاتيح يتميز بالاخلاص والنزاهة ومداليد للأعداء بعد الانتخابات والسعي الى الاصلاح وتقديم الخدمات من مشاريع وتوظيف واصلاع ذات البين بين الاهالي.
اذا كان هذا العمل يتطلب رص الصفوف فلا يعني إلغاء الغير وجلب الضرر للفريق الآخر. وفي عام 1948م عين الزعيم أحمد الأسعد وزيراً للأشغال العامة. سارع السيد توفيق مع وفد من اهالي البلدة مطالبين بشق الطريق وإصلاح العيون وترميم البرك وتعمير تصوينة للجامع وبناء مدرسة وإحضار لجنة مساحة. فنفذها جميعاً في عام واحد قائلاً للوفود: سنشق الطرقات وأعمل الجنوب مثل كبة بالصينية والتنفيذ حالاً لأن العمل يتم بموجب الفاتورة وليس بالمناقصة. وأعطى أوامره بتنفيذ شق طريق جبشيت عبا حالاً. وما هي إلاّ أيام قلائل حضرت لجنة المهندسين إلى عبّا لتخطيط الطريق وشقها وتعبيدها وتم زرع الأوتاد للتحديد فقال الفريق الثاني هذه خوازيق ولكن الطريق آتية كما الساعة لا ريب فيها. وبعد الانتهاء من التخطيط حضر الملتزم ومعه فرقة من 100 عامل وعاملة وأولاد وابتدأ العمل. إذ أن العمل كان يؤدى بالأيدي والأدوات البدائية.
وصلت الأعمال في الطريق الى منـزل الحاج عبدو معلم وبقيت مشكلة الساحة فالساحة ملك لآل خليل, تزرع مشاتل ودخان وقمح. فيها تلال في الوسط وطرق فرعية في أطرافها. أكبر ساحة في بلاد جبل عامل في وسط البلدة. فطلب كبار القوم من وجهاء آل خليل حل هذه القضية وتقديم الساحة للبلدة ومنهم السيد عبدو حسين أحمد صاحب المقام عند الفريقيين ومقدماً عند السيد حسن خليل عن طريق المصاهرة, فبادر مع السيد توفيق الى رفع الأحكام المتوجبة عن السيد أحمد حسن خليل والسيد عبدالله جواد. فقابلا الزعيم أحمد الأسعد فكلف النائب والمحامي ابراهيم عازار حل هذه القضية حالاً قائلاً له بدملوماسيته الشعبية: لا أستطيع مقابلة فاطمة الزهراء ع يوم القيامة وحفيداها محكومان وحتى أكسب رضاها عليها السلام وانت تكسب شفاعتها يوم الصراط برفع هذا الغبن عنهما حضر الاستاذ ابراهيم عازار مع الوفد الى سرايا صيدا ورفع الأحكام عنهما مع محاضر براءة صادرة عن القضاء.عم السرور البلدة وقدم آل خليل الساحة فشَرَعَتْ حالاً ورش العمال في جرف وتسوية الجلالي والتلال وأصبحت سهلة واسعة ومفرجاً للأهالي في البلدة وللوافدين اليها من الخارج بمساحة 12 دنم.
         وافتتحت بحضور الجميع على وجوههم الرضا والتآخي واستقبلوا جميعاً أول سيارة تدخل البلدة خاصة الحاج موسى كركي من حاروف وتبعتها.سيارة فورد ثانية للشاب احمد خليل عبدو حرب من جبشيت وسلم كل واحد منها 25 ل.ل.
         هذه الساحة كانت حافزاً لأهالي البلدة في التسعينات من القرن الماضي لبناء مشروع للجامع وللنادي الحسيني بإشراف امام البلدة السيد محمد علي ابراهيم ق.س. وهمة الوجيهان السيد عبدو حسين أحمد  والسيد أحمد يونس أضف الى ذلك همة أهل البلد جميعاً إضافة وقفة جريئة من آل خليل بتقديم عقار من السيد أبو سعدالله علي أحمد حسن خليل الى عقار الجامع وبسعي حثيث.من الاستاذ عبد الحسن عميس باستدعاء المهندس الاستاذ بهيج منصور رحمه الله لاعداد خرائط للمشروع والاشراف عليه فكان عند حسن الظن ما توانى.أبداً عن العمل والاشراف حتى الإنجاز.
ضم المشروع الجامع والنادي الحسيني بوقفة جريئة من أهالي البلدة لجمع رصيد الكلفة بمساهمة مالية من جميع الأفراد ابتداءً من الليرة وال 5 ليرات دون أن يمدوا يدهم للغير من خارج البلدة بشهادة من الامام المغيب سماحة السيد موسى الصدر في احتفال لبناء حسينية في زوطر الشرقية عام 1967: أن يتعلموا من أهالي بلدة عبا كيف بنوا مشروعاً ضخماً بدون مساهمة من أحد خارج البلدة وذلك لأنه قبل اسبوع من قوله هذا كان قد القى محاضرة عن العمل في النادي الحسيني لبلدة عبا بدعوة من المرحوم الاستاذ ابراهيم توفيق ترحيني رئيس الحركة الاجتماعية في الجنوب آنذاك وكانت هذه المحاضرة سببا لأول زيارة لمنطقة النبطية التي كسر حدتها المرحوم الاستاذ ابراهيم توفيق ترحيني بإقامة المحاضرة في عبا متحدّياً بضراوة وشراسة جميع المعترضين لدخوله البلدة والمنطقة من أهالي بلدة عبّا وإمام بلدة جبشيت وعلماء المنطقة وذلك في شهر تموز 1967م.
هذه الساحة في بلدة عبا التي قدمها آل خليل مشكورين للمصلحة العامة لا تزال اعلامها مرسومة على خريطة المساحة إذ تبلغ مساحتها 12 دنم  ولكنها للأسف تآكلت مع مرور الزمن من اصحاب المنازل والدور المحيطة بها ما عدا  مدخل منـزل قاسم محمد محسن لا يزال على حدوده القديمة. (والد الدكتور محمد قاووق) ومما زاد الطين بلة رغم الاعتراض من الأهالي "أن قامت سلطات الامر الواقع" بغرس أشحار النخيل في أرجائها فصغرت الساحة وأصبح مشروع الجامع والنادي الحسيني صفيراً بعدما كان كبيراً على زمن الآباء والأجداد فهل ترفع الاعتداءات عن الساحة؟؟
أما الطريق العام التي سعى فيها السيد توفيق واهالي البلدة من عين جبشيت حتى ساحة البلدة عام 1949م بعرض 3 أمتار لا تزال على حالها. فلا توسيع ولا تزفيت رغم تقديم العرائض بهذا الخصوص لنواب حلول الأجلين والباقين الى الأزل منذ عام 1990م. فهل ستشهد بداية تحرك جدي سريع للتوسيع والتزفيت منهم ومن وكلائهم في البلدة قبل نهاية وكالتهم النيابية التي منحهم إياها الشعب وقبل نهاية ولاية هذا المجلس عام 2013م وعودتهم الينا طلباً لتجديد الوكالة؟؟. نأمل ونرجو
في عام 1950م زار الزعيم أحمد بك الأسعد قرية عبا إثر جولة على قرى الجنوب فوصلها ليلاً. نزل بالجامع مع حشود من أهالي البلدة والقرى المجاورة وقد نصب له قوس نصر على مدخل البلدة واستقبل بالهتاف والزغاريد ولا وجود للكهرباء فأنيرت الساحة والطرقات بالقناديل. جلس على البلايط في الجامع والتعب قد أخذ منه مأخذاً كبيراً والنعاس باد عليه ولكنه سرَّ بالمشاريع التي نفذت في البلدة من الطريق العام الى الساحة العامة بناء حائط الجامع وإصلاح العيون والبرك وتأمين رخص الدخان. ذكرها جميعاً في قصيدته الشاعر محمد داوود حريري فخاطبه قائلاً: طيرّت النعاس من عيني يا أبا محمود والقى نجل السيد توفيق: حسن توفيق ترحيني كلمة ترحيب بالزعيم الوائلي. وباع السيد توفيق العجل (زهير) ليغطي نفقات هذا الاحتفال.
         وقدم أبو محمد رضا محمد علي السيد أبو خليل محمد صالحة للسلام على البك وقال له: صورتك في صدر دكانه في الساحة. فأجابه أحمد بك بأنه كان لي أخ اسمه فارس. توفي فأبو خليل أخي: محل فارس. فصرخ به أبو خليل:" كل واحد  بعاديك بدو عصايي بين كتافو". سر الزعيم أحمد الأ سعد كثيراً في جلوسه مع الأهالي في عبّا وتناول شراب اللبن ووزعت الشرابات على جميع الحضور كان قد أعدّها سابقاً السيد محمد يوسف أسعد ما بين 20 طنجرة وسطل لبن ولا غرو فهو صاحب الكف الندية وعتبة داره عالية وسفرته دائماً ممدودة للقائم والراكب. وهنا جد الجد فخاطب السيد توفيق الزعيم احمد الأسعد بأن لنا طلباً وحيداً نرجو أن تحققه وهو تعيين سماحة السيد محمد علي ابراهيم قاضياً.
         فأجابه ملامتكم على انفسكم. الأثنين انشاء الله نلتقي في بيروت. في الوقت المحدد حضر السيد توفيق والسيد اسماعيل والسيد محمد يوسف أسعد لدارته في النويري في بيروت. فأخذ التلفون وتكلم مع الرئيس رياض بك الصلح رئيس مجلس الوزراء آنذاك وقال له: اذا كنت  بتحب تكسب رضا فاطمة الزهراء (ع) يوم القيامة: عيّن سماحة العالم السيد محمد علي ابراهيم قاضياً في المحاكم الشرعية" وبعد ساعتين جاء القرار بتعيينه قاضياً شرعياً جعفرياً في بعلبك عام 1951م.
         اذا كان الاقطاع القديم إقطاع الخدمات والاصلاحات فولادة الإقطاع الجديد أشد ضراوة واحتقاراً للناس ومرحباً بالاقطاع القديم.
         وفي عام 1961م زار وزير التربية الوطنية الزعيم كامل الأسعد بلدة عبا فاستقبلته البلدة استقبالاً لائقاًً (رويد وأهازيج وأقواس نصر) وجلس على البلايط في الجامع فطلب منه السيد توفيق بناء مدرسة على حساب الدولة. فأجاب الطلب وأرسل مهندساً لتحديد العقار المعتمد والمتنازل عنه لوزارة التربية الوطنية لبدء العمل. حضر المهندس المختص وحدد العقار فوجد أن العقار كله رقم واحد وليس رقمين وهو للسيد اسماعيل علي حسين صاحب القوة والجاه. ثارت ثائرته لعلمه أن الأرض الممسوحة عقارين فأوقف العمل. فتعهد السيد توفيق بفرز العقار وكتب سنداً بقيمة ألف ل.ل. تدفع للسيد اسماعيل اذا لم يتم الفرز مع شهادة الاستاذ عبد الحسن عميس.
         عمل السيد توفيق جاهداً بحل عملية الفرز لكن الموت عاجله وبقيت قضية العقار عالقة حتى تم الانجاز لاحقاً على يد حفيده السيد اسماعيل شريف ترحيني.  وصرفت الوزارة النظر عن بناء مدارس في القرى واستبدلته "بتجمع المدارس" فكان لمحور حاروف جبشيت عبّا: مدرسة تجمّع في السموقة في جبشيت.
         وهكذا لم تتحقق أمنية السيد توفيق ببناء المدرسة ولم يتحقق فرز عقار السيد اسماعيل.
         ولسان حاله يردد:
                          لا تلم كفي اذا السيف نبا               صحّ مني العزم والدهر أبى.
         واستطراداً لتحقيق بناء مدرسة رسمية كلف الاستاذ عبد الحسن عميس المهندس بهيج منصور من برج الراجنة المشرف على مشروع المسجد والنادي الحسيني بإعداد وتصميم مشروع مدرسة حديثة. أعدت الخرائط سريعاً. وسارعت اللجنة بتسليم التبرعات وهي مؤلفة من سماحة العلامة السيد محمد علي ابراهيم ق.س والمختار السيد شريف يوسف أسعد والأستاذين: عبد الحسن عميس وخليل توفيق ترحيني.
         بادئ الأمر اختلف على المكان. ما بين بيدر رأس الدوري وقلعة الصعبة فرجح رأي المختار بإقامة المشروع على العقار الأخير المشاع ومساحته 60 دنم وموقعه ملائم لمدخل البلدة. فتحفظ العالم السيد محمد علي ابراهيم ودارت المشاكل بينه وبين المختار ولم يسلمنا المبلغ المجموع من البلدة وقدره 15 الف ل ل فأوعز سماحته للاستاذ عميس باستشارة المرجع في العراق. فأرسل الأخير رسالة بهذا الخصوص الى سماحة المرجع الكبير السيد ابو القاسم الخوئي. فأتى الجواب سريعاً بأن المرجع يوافق على الرأي الذي يتخذه امام البلدة سماحة السيد محمد علي ابراهيم قائلاً ونحن مع رأيه قولاً وعملاً.
         أحيط الجميع بهذه الفتوى المباركة لكن تواجد اللجنة في هذه الأونة في النادي الحسيني في النبطية واستمزاج رأي السادة العلماء من قبل المختار بغياب سماحة السيد محمد علي ابراهيم اعتبرها سماحته لا تتوافق مع مكانته وما هو عليه بالنسبة لعلماء المنطقة والجوار بعدما نقلها اليه سماحة العالم الشيخ جعفر صادق  امام النبطية بأن وفداً من بلدة عبا, على رأسه المختار شكوا واقع الحال. فثارت ثائرته على اللجنة خاصة بعد ورود الرد من قبل المرجع الكبير في النجف وأسرها في نفسه وصب جام غضبه على اللجنة.
         ولكن سرعان ما هدأت النفوس وضمنا سماحته تحت جناحيه واعطى اللجنة الـ 15 ألف ل.ل وبدأ العمل بزخم جديد.
          كانت اللجنة تجمع ما يجود به الأهالي ابتداءً من الـ5 ليرات. تبرعوا وما بخلوا. وفتح حساب بالبنك. ومحاسبة العمال مساء كل سبت مع بيانات اسبوعية وشهرية بقطع الحساب توضع بين أيدي الأهالي ليكونوا على بينة. وجرى العمل بإتقان وتنسيق واجتهاد من اللجنة وخاصة من المختار السيد أبو أسعد شريف يوسف ترحيني الذي ماتوانى على السهر والاشراف الشخصي على العمل. وارتأى البعض بيع أقسام من المشاع لدعم المشروع. فأموال المشاع كانت تودع مع سماحة السيد محمد علي ابراهيم ق.س الذي كان يتولى صرفها بنفسه على العمل ولا علاقة للجنة بهذا الخصوص.
         وتكاليف السقف الأول سددت من مجلس الجنوب بإيعاز من دولة الرئيس كامل الأسعد.
         إبان سرعة الانجاز في المشروع كانت تحصل مشاكل عديدة بين المختار واعضاء اللجنة سرعان ما تذلل امام نبل الغاية في سبيل انجاح المشروع.
         وفي بداية السبعينات من القرن الماضي انجزت المدرسة الرسمية السهلة في القلعة الصعبة من قبل الأهالي الكرام من البلدة أصحاب العطاء وأصحاب الكرامات على خير ووئام ببركة سماحة السيد محمد علي ابراهيم ق.س وهمة المختار السيد أبو أسعد وعمل اللجنة بمحبة وإخلاص. وأضاف صرحاً بجانبها للفرع الانكليزي دولة الرئيس الاستاذ نبيه بري. فغدت تجمعاً وملتقى لكل ابناء القرى المجاورة, ترفد الوطن بالحكماء والدكاترة والضباط والمحامين والمهندسين والصيادلة والقضاة ورجال الدين ورجال الأعمال ...إلى آخره مما لا يعد ولا يحصى بمستوى تعليمي عالٍ بإشراف المدير الذي يعمل بصمت وبإخلاص الاستاذ محسن فحص مع هيئة تعليمية كريمة متخصصة بشتى طرق التعليم الحديثة.
         وليس من المبالغة القول أنه في بلدة عبا تستطيع ان تغرس ما بين مسافة كل 5 م من الكوع حتى عين الحاج حسن: طبيباً أو دكتوراً أو أستاذاً أو مهندساً ممن ذكرنا سابقاً. وبورك في الشباب الطامحين. 
 المساحة
برزت معالم بلدة عبا أيام الوجيه والمختار خليل أبو دلا عام 1850م بتوقيعه عريضة للوالي العثماني مع مخاتير جبل عامل باسترداد أراضي الشومر واقليم التفاح. هذه العريضة حققناها ونشرناها في مجلة  العرايس وهي أهم وثيقة تاريخية بين أيدينا ويقال أن ملكية الأراضي في هذه الفترة أو ما قبلها تعود لفروع من عائلة واحدة هم: آل خليل, آل هارون, آل حسين.
         وتأتي عائلات مالكة مثل آل ياسين وآل قاووق. وعائلة آل عميس كان لها أراضي واسعة في عبا والمتوارد عنهم أنهم كانوا مكلفين بتخزين مواسم الميرة في دار الحاج حسين عميس ومن ثم يتم نقلها الى صيدا مركز الولاية.
         وتوفي السيد خليل عام 1905م فانتقلت المخترة والوجاهة الى ابنه السيد حسن خليل كان مقدماً ومحظوظاً عند أولي الأمر من سرايا ومديرية السلطنة ولا يقل عنه جاهاً يوسف علي هارون. أما ملكية آل علي حسين فتعود الى وراثتهم من امهم أمون بنت خليل أبو دلاّ. وقد تسربت أيدي المراهنين من الولاية في صيدا الى ارتهان بعض الأملاك والأراضي في البلدة وضياعها, بعد وفاة أصحابها نظير السيد يوسف علي هارون الذي كان صاحب أملاك وأراضي تملّكها أصحاب الرهن بعد وفاته في طريقه لزيارة الأماكن المقدسة لكن السيد يونس أحمد هارون استعاد أراضيه بعد مجيئه من المهجر من السيد جواد خليل بواسطة السيد حسن خليل.
         ومنذ عام 1913 تاريخ اندلاع الحرب العالمية الأولى حتى عام 1926م تاريخ انشاء الجمهورية اللبنانية وغياب السلطنة العثمانية وعدم  تنفيذ اتفاقية سايكس بيكو 1919مخلت المؤسسات الرسمية من سرايا ودوائر حكومية من الموظفين ورجال الأمن لأن السلطنة العثمانية هزمت. وأصبح كل مختار يدير شؤون بلدته بنفسه وأصبح السيد حسن خليل الحاكم والمختار والوالي على البشر والحجر في البلدة.
ومعظم أراضي البلدة لآل خليل ولكن حدث ما لم يكن في الحسبان أنه من جراء دين عليه بيعت املاكه في المزاد العلني عام 1935 مع عدم موافقته على البيع وعدم حضوره فبقيت الأراضي المباعة معاملاتها غير قانونية لذلك عند وفاته عام 1946م امر امام البلدة سماحة السيد محمد علي ابراهيم ق.س بأن البيع فيه غبن.فعلى المستفيدين دفع المتوجب عليهم للقيام بواجب العزاء.
         استغل السيد توفيق هذا الفراغ وطلب من الزعيم أحمد الأسعد عام 1949م بتعيين لجنة مساحة للبلدة. فأرسلت اللجنة, سريعاً.مؤلفة من المهندس انطون الدرعوني والناظر حليم الحايك البدادوني ولجنة مؤلفة من وجهاء البلدة. فأنهت اعمالها خلال عامين بتسهيل من قبل آل خليل وخاصة السيد أحمد حسن خليل والسيد عبدالله جواد والسيد ابراهيم حسن خليل وأصبح أهالي البلدة يملكون سندات زرقاء بدلاً من البيع العرفي وأوراق الحجج الواهية.
         فالسيد توفيق في مسعاه مسح اراضي البلدة عام 1949م أعطى مثلاً لمدى خمسين عاماً أيام حرب الميليشيات العبثية واحتلال الفلسطينين من عام 1975-1982. واعتداء المليشيات المسلحة على اراضي الغير والمشاع وتوزيعها وفقاً لرغباتهم واقامة البناء عليها. الأمر الذي حدا بالرئيس عادل عسيران عام 1976 في بلدة كفرصير أن يترحم على السيد توفيق ترحيني بمسحه أراضي عبّا عام 1949 بعدما فقد آل عسيران جميع ممتلكاتهم في كفرصير والقنطرة بتوزيعها على افراد مشيليات سلطات الأمر الواقع.

رخص الدخان
عام 1947م ضمن السيد أبو شكيب رشيد جابر من أعيان النبطية وأحد موظفي ادارة الريجي معظم اراضي البلدة وزرعها تبغاً في الحواكير والمغاريق والحمارة والوديان حتى عين الحاج حسن ونصب خيمة كبيرة للمصلحة في خلة "النبية" لورش العمل لشك الدخان وتعليقه على السقايل. هذه الورش كان معظمها من صبيان وصبايا البلدة فاستغل البلدة لمدة عامين: أرضا وعمالاً ولا يوجد رخص دخان في  البلدة. فتقدم السيد توفيق مع وفد من الأهالي طالبين من الزعيم احمد الأسعد تأمين رخص دخان. فطلب من وزارة المال التي لها حق الوصاية على ادارة حصر التبغ والتنباك اصدار قرار بهذا الخصوص وهكذا تملك الأهالي عشرات الدونمات, من الدخان من ملكية السيد أبو شكيب رشيد جابر.
         فأصبحت عبا أول بلدة تمتلك حق زراعة التبغ منذ عام 1947م التي كان من نتائجها إعمار البلدة واستصلاح الأراضي وأصبحت سقوف البيوت من باطون وعمد الاكثرية الى تسجيل ابنائهم في المدارس الرسمية والخاصة حتى أن اوتوكار الراهبات كان يحضر يومياً الى البلدة لنقل الطلاب عام 1960م وكان سائق الاوتوكار أبو شوقي رحال.
         همّة أهالي البلدة انتشرت في النبطية وجوارها بتوسيع مشاريع أعمالهم والانتقال الى المدينة مع تمسكهم بالأرض وفقاً لما كسبوه من إرشاد وعادات وتقاليد ونمط العيش الروتيني.
         تغيرت معالم البلدة بإنتشار زراعة التبغ منذ عام 1950م فتراجعت مواسم التين والقمح والحبوب وحلّ من جديد في الحواكير مناشر الدخان وسيب التعليق ووجود الدنك وخيم الشكاك.وثياب العري لتحمل المادة الصمغية من شتلة للدخان التي لا تقطف الا على الندى.
         ويقوم موظفو الريجي من مراسلين ومراقبين ومفتشين بمسح الاراضي ويسمى "الكيل" وتخمين المواسم.
         والمراسل يعتبر معاون مهندس يقسم القطعة عدة مثلثات ويتم الكيل بدقة متناهية ويتم التخمين وعلى أساسه يقدم المحصول الى الادارة.
          موظفو الريجي من مراسلين ومراقبين وغيرهم كان لهم صداقات حميمة مع الأهالي نظير ابو نزيه رياض شعيتاني وابو ابراهيم عبدالله عياش والسيد محمد جواد بدر الدين وابو حسين زيتون وأبو جهاد محمود مروة وحسن أبو جهاد جفال وحسين السيد احمد ورفيق طه وجميل جابر وزكي ياسين وعادل الطبشي وأبو وائل الحاج علي وغيرهم من خيرة الأصحاب. هذا لا يعني عدم الإتيان على ذكر السييء الذكر ممن اساؤوا لأهالي البلدة وللوظيفة أمانة ومسلكاً نظير الخبير أحمد شكرون وغازي عليق وعلي قانصو.
         وأصبحت هذه الزراعة الشغل الشاغل لأهل البلدة من فلاحة للأرض وتسميدها واعداد المشاتل مقدماً لموسم الزراعة في حزيران من كل عام  واعداد الفدادين للتغلّب على وعورة الأرض وسهولة التقطيع حتى اذا حضر ضارب السكة يغرسها بقوة ونشاط في الأرض كان وراءه حبلاً طويلاً من صبايا وشباب يغلون. فهو سيّد الورشة ومحركها. بادئ ذي بدء كانت المياه تعبأ من البركة وتزرع الشتلة بواسطة الابريق ومع مرور الزمن حلّت محلها النباريش والسترنات حتى اذا حلّ موسم القطاف تتلألأ الوديان والحواكير والوطى بقناديل (لوكس) تمزق عتمة الظلام وتحوّل الليل الى نهار.
         وما أن يرتفع الندى تعود الورش للبيوت لشك الاوراق بالميابر والتعليق بالخيطان وعلى السقايل والمناشر مع تناول الفطور سريعاً مما تيسر من مقالي البطاطا والباذنجان والكوسى مع سلطة بندورة وبصل وحرّ. وعلى مدخل الخيمة صناديق الصبير وصواني التين وسلاّت العنب والمنشل.وابريق الفخار.
         وفي الأربعينات من القرن الماضي انتشرت الأحزاب السياسية في جبل عامل وتأسّس عام 1948م الحزب القومي السوري في بلدة جبشيت بناموسه الطالب علي أحمد أخضر، وفي بلدة بريقع بناموسه محمد يوسف جمول وتأسّس الحزب الشيوعي في بلدة أنصار بأمانة العامل الشاعر عبد الله هاشم شرف، وعرفت المنطقة إبتداءً من عام 1950م حزب البعث العربي الإشتراكي برئاسة الدكتور علي جابر ووصل إلى بلدة عبّا عام 1952م، وقوي شأنه بحضور المسّاح أبو حسين علي فرحات من بعلبك لما تميّز به من دماثة الخلق وحسن المعشر ومن المنتسبين الأوائل في حزب البعث السادة: محسن إبراهيم، كامل كلوت، محمد هاشم، حسين علي محسن، قاسم محمد يوسف، محمد حسين الشيخ... وغيرهم، وعمل في المقابل المسّاح الثاني جورج حداد بنشر مبادئ الحزب القومي السوري فتجاوب معه عمّاله وكانوا قلّة ومنهم قاسم أبو علي حمود... وفي عام 1960م إثر الإنقلاب العسكري  على الدولة من قبل الحزب القومي السوري (محاولة فؤاد عوض + شوقي خير الله + محمد بعلبكي).
         حضرت قوّة من الجيش إلى بلدة عبّا لاعتقال القومي السوري: قاسم ترحيني لوجود إسمه في سجلات المهندس جورج حداد، فلم يجدوه في البيت، فاستعيض عنه بأخيه حسين أبو علي (بدل عن ضائع) واعتقل قاسم محمد يوسف أسعد ترحيني لتشابه الأسماء وجميعهم لا ينتسبون الى الحزب المذكور.
         وفي عام 1946م حضر الشيوعي أديب جابر من النبطية ونـزل في الجامع لأخذ تواقيع الأهالي على عريضة تندّد بالإعتداء الأميركي على هيروشيما وناغازاكي، فحضر السيد إسماعيل وأتلف العريضة وزعبه وقال له: نحن مع البيك ضد البلشفية.
         وفي عام 1956م دعا السيد أسعد محمد يوسف (أبو حسن) الشباب لحضور ندوة شيوعية في بلدة أنصار في منـزل السيد عبد الله هاشم شرف لاستقبال رئيس الحزب الشيوعي نقولا الشاوي في لبنان، والسيد أسعد صهر بلدة أنصار عام 1955م ويشرف على مصالح والده في بلدة ذمول.
         أثناء الإجتماع داهمتنا دورية درك من النبطية فاعتلقت البعض وهرب الباقون، ورجعنا إلى بلدتنا عبّا منهكين حتى التم الشمل في وادي بوكوارة منتصف الليل بانتظار استلام المنشور الذي سيوزع لاحقاً، الأمر الذي حدا بجريدة الأخبار الشيوعية بتاريخ 30/9/1956 أن تغطي الخبر وفقاً لما يلي:

تصرفات غريبة لضابط منطقة النبطية تثير إستنكار الأهالي وسخطهم:
         تلقينا من النبطية إنه بينما كان جمهور من شباب قرية "عبّا" يسهرون عند السيد عبد الله هاشم شرف كعادتهم كل ليلة ويقرأون الشعر، داهم ضابط المنطقة البيت وأمر باعتقال صاحب البيت والعضو الإختياري خليل اليحيى وسيقوا إلى النبطية وضربوا، كما اعتقل السيد حسين الحاج علي فياض لأنه حاول الإتصال بشريكه في زراعة التبغ خليل اليحيي وأوقف مدة 6 ساعات بدون أي مبرر، وبناء  على وشاية كاذبة من أحد العناصر الموتورة في البلدة دوهمت القرية مرة ثانية لاعتقال 15 شخصاً.
         وكان لهذه الأعمال المنافية للحرية الشخصية ولأبسط قواعد الحريات الديمقراطية صدى استنكار في النفوس كافة، ونحن نطالب بالتحقيق في هذه التصرفات الغريبة ووضع حداً لها.
جريدة الأخبار
30/9/1956
         وكان السيد توفيق بعيداً عن هذه الأمور ولا يعارضها، همه الوحيد أن الشباب يصوتوا "للبيك" يوم الإنتخاب.
         وكان السيد توفيق يجيد لعبة السيف والترس. هذه اللعبة تؤدى بالأفراح والأتراح. ومن روادها في البلدة محمد مهدي وأحمد السيد علي وابراهيم حسن خليل. وعند وفاة السيد حسن خليل عام 1946م حضر هو ورفاقه وادوا التحية بالسيف والترس للجنازة مع مناداة اسماء الجلالة والنبوة وامامة امير المؤمينين علي بن أبي طالب (ع).
         وعند المبارزة في الأعراس تتدخل لجنة التحكيم حتى لا تتطور الأمور أكثر مما هو مطلوب من مبارزة شريفة ورياضية.
         وعندما احتدم القتال في بيروت في الحرب العالمية الثانية حضر مع سائر اهالي البلدة  المتواجدين في بيروت الى الضيعة. وكان في القلعة السيد محمد مهدي وجاره أبو عبدو الرسول يتابعان سير المعارك إذ أن الأول من مؤيدي هتلر والمحور وأبو عبدو الرسول من مؤيدي الانجليز والحلفاء. وأخيراً تغلب أبو عبدو مردداً شعارات الحلفاء وأقوال الراديو من على مصطبة السيد موسى علي حيث يتجمع أهالي القلعة الكبار والصغار. وخاصة جيلنا اليافع إذ جمع جميع صبيان القلعة عند السيد موسى علي وحلق لنا "حليطة بليطة" حتى لا يقع القمل.في رؤوسنا من الطائرات عام 1942م. 
وكان السيد توفيق على صلة وثيقة بالأهل والجيران وخاصة مع جارنا السيد موسى علي: شيخ الشباب وصاحب المروءة والخدمات السريعة المجانية للفلاحين. وكنّا نحلق عنده حتى وصلنا الى صف البريفيه، فكان السيد توفيق يكبره ويحترمه ويأخذ رأيه في كل الأمور.
         كان السيد توفيق وفياً ومخلصاً للتيار الأسعدي مع احترامه وتقديره لبقية السياسيين في المنطقة وكان عنده موهبة تجلت بقدرته على التواصل مع أكبر عدد من الناس, تواصل مستمر في الأفراح والأتراح مع حضور مميز في ميدان اصلاح ذات البين.
         وفي صباح نهار الثلاثاء في 10 تشرين الأول شرب القهوة عند الحاج اسماعيل ابراهيم حريري مع أبي كامل عبد الحليم وأبي علي منير. وافترقوا على ان يتلاقوا بالساحة العامة للذهاب الى بلدة حاروف للمشاركة في وفاة الشوفير عبد المحسن هاشم. وفجأة تلبدت السماء بالغيوم والمطر يكاد أن يتساقط فحمل مجرفة وفتح قناة للمياه الجارية في دوارة الحاجة وعند رجوعه وقف عند مزراب سقف ابو حسن عبدو اسماعيل فانتابته نوبة قلبية مفاجئة فهوى على الأرض ميتاً وكان في زهوة شباب عمره 57 سنة.
         اقيمت ذكرى الاسبوع في خيمة في الساحة العامة حضرها الرئيس كامل الأسعد مع 12 نائباً وحشود غفيرة من القرى المجاورة والقيت خطب وقصائد.
         هذه ترجمة حياة السيد توفيق السيد علي حسين أحمد ترحيني.
         وهذه هي اللحظات الخاطفة الخافقة من ذكرياته التي لا تحجب الرؤية عن الأدوار المهمة التي قام بها رجال غيره في البلدة مما نجلّ ونحترم بما قدموا من خدمات جلى في شتى الميادين.
         فمجتمع بلدة عبّا كغيره من المجتمعات كائن حي متطور.