الثلاثاء، 13 أغسطس 2013


الأمسية النبطانية

الجمعة 12 تموز 2013.


                                   
                                    الأمسية النبطانية بحضور العلامة الشيخ عبد الحسين جعفر صادق 



حي السرايا في مدينة النبطية عام 1945م



يستكمل السيد خليل ترحيني " أبو بشار " حكاياته المشوقة عن النبطية  

وذكرياته فيها متوقفا عند رجالاتها ونوادرها بأسلوبه الرائع : 

وكان لنا رفاق من بلدة شقراء مستأجرين غرفة بجوارنا في منزل "سكنة البابور" من آل الأمين. وكان حاكم الصلح في النبطية عام 1944 القاضي حسن السيد محسن الأمين. فذهبنا معهم لزيارته في سكنه في دار الحاج محمود علي أحمد في بستان مجاور لمنزل الحاج سعيد الزيون وآل تقش. فوجدنا عنده في الصالون بعض وجهاء النبطية. علمنا فيما بعد أنه قدّم استقالته لوزير العدل وسيحل محلّه حاكم صلح جديد من صيدا الأستاذ صلاح خياط سكن فيما بعد عند أم رمزي في حي البياض ونشأ ابنه تحسين في النبطية وهو صاحب المحطة الفضائية "الجديد".
         والاستقالة كانت بطلب من رئيس الوزراء آنذاك رياض الصلح بناءً على حكم صادر عنه بتبرئة أحد الفلاحين من حكم لا طاقة له به وبناءً على وقوفه في وجه رئيس الوزراء بشأن عقارات مشاع مجاورة لأملاكه في مزراعه تمره وتول.
         تداولت الصحف هذا الحكم ونشرته جريدة التلغراف فحفظته بين الوثائق التي بحوزتي وذلك بتاريخ 12 نيسان عام 1944م وهذا نصه:
         "وكان أن عرضت دعوى أمام أحد القضاة، لم يعهد القضاء في لبنان سابقة لمثلها. وحاول القاضي جاهداً استنطاق الحمار وكان شاهد إثبات في هذه الدعوى المقامة على مخدومه ولكن ليس من قبله بل من موظف حكومي. واضطر القاضي بعدما عجز عن إثبات البيّنة ضد صاحب الحمار الذي أبى البوح بما يختلجه حيال مخدومه، إلى الحكم ببراءة الفلاح صاحب الحمار لعدم توافر الأدلة وفقدان البينة أن الفلاح ضرب الحمار بقسوة وعامله بوحشية عندما كان الحمار يفلح أرض مخدومه.
         وبما أن الحمار لم يكشف إذا كان ضرب مخدومه له ومعاملته بعنف وقسوة ألحقا به ضرراً صحياً جسيماً أو أصاباه بعطب أو عاهة. أو عطل وضرر، فحكم القاضي ببراءة صاحب الحمار لعدم كفاية الدليل في حقه."
      يقول "أبو بشار ":
   والدعوى وهي حقيقة واقعة حصلت في 8 نيسان 1944 في قرية عدشيت – قضاء النبطية عندما كان علي يوسف الحايك يحرث أرضه مستعيناً بالحمار "الأشبهي" كما كان يسميه بعدما نفق ثوره الذي كان بادئ الأمر يقوم بالمهمة.
         وكان الحمار "الأشبهي" يحرث الأرض عندما صادف مرور دورية من رجال الدرك فشاهده رئيس الدورية يحرث الأرض ويعامله صاحبه بقسوة ويضربه، والحمار يئن ويسير بخطى مثقلة وعجز والعرق يتصبب منه. وكان الحمار كلما توقف لأخذ قيلولة واستراحة ينهره صاحبه علي الحايك ويضربه بعصا.
         ورقّ قلب رئيس الدورية وكان من أنصار جمعية الرفق بالحيوان وأشفق على الحمار وتقدم نحو الفلاح وأنّبه لقسوته على الحمار وعدم "إنسانيته" وإرغامه الحمار على القيام بما هو فوق طاقته وطلب منه التوقف عن حراثة أرضه بواسطة هذا الحمار.
         وحاول علي الحايك إقناع رئيس دورية الدرك بأن الحمار مصدر رزقه وحياته. وقامت مشادّة بينهما انتهت بأن نظم محضر مخالفة بجرم معاملة الحمار بقسوة ومن دون رأفة وإنسانية وأحال المحضر على القضاء.
         وأحالت النيابة العامة في الجنوب ملف الدعوى على القاضي المنفرد الجزائي في النبطية بعدما ادّعت على الفلاح علي الحايك سنداً إلى أحكام المادة 3016 من قانون الرفق بالحيوان.
         وعيّن القاضي السيد حسن الأمين، وكان رئيس محكمة جزاء النبطية آنذاك، يوم 12 نيسان 1944 موعداً لمحاكمة المتهم علي يوسف الحايك بجرم الاعتداء على الحمار ومعاملته بالعنف.
         وبعد المحاكمة وتلاوة القرار الظني اعترف علي الحايك بأنه أكره الحمار على العمل وأن استخدم ضده العنف قليلاً لحثّه على إكمال حراثة أرضه. ونفى أن يكون سبّب للحمار أي أذى أو عطل أو عاهة. وقال: إن حماره ينعم بصحة جيدة، ويأكل مداً من الشعير يومياً.
         وبعد سماع إفادة رئيس دورية الدرك مع رجاله وشهود الحق العام صدر في "12 نيسان الحكم التالي من الحاكم الأستاذ حسن الأمين رئيس محكمة صلح جزاء النبطية في ذلك الوقت والحكم يحمل رقم الأساس 219 والعدد 234. وفي ما النص الرسمي للحكم.
         "صورة فقرة حكمية من محكمة صلح جزاء النبطية:
المدعي – الحق العام.
المدعى عليه – علي يوسف الحايك – عدشيت.
باسم الشعب اللبناني
في المحاكمة العلنية تبيّن أن ما نُسب إلى المدعى عليه علي يوسف حايك من عدشيت، هو أنه كان يحرث الأرض على حمار وأن في هذا عدم رفق بالحمار ينطبق على القرار 3016.
وحيث أنه قبل أن تعلن العقوبة التي يستحقها المدعى عليه علينا أن نرجع إلى النص القانوني الذي استند إليه الدرك في تجريمهم المدعى عليه، فإن المادة الأولى من القرار 3016 تُصرح بأنه يعاقب من ثمانية أيام إلى ستة أشهر، وبجزاء نقدي من ليرتين إلى خمس وعشرين ليرة كل من يسيء معاملة حيوان بلا ضرورة أو بإتيان عمل غير جائز لبلوغ غاية مقبولة سواء كان بضربه أو بتعذيبه وكل من يحمل حيواناً على القيام بما يفوق قدرته أو يؤلمه إلى آخر ما جاء في المادة المذكورة فهل ينطبق هذا النص القانوني على عمل المدعى عليه؟
إن هذه المحكمة تجيب عن هذا بكلمة "لا"... وهي مطمئنة إلى هذا الجواب.. فالمادة القانونية تنص على أن تكون هناك إساءة للحيوان وأن تكون هذه الإساءة بالضرورة.
فهل في الحراثة على الحمار إساءة إليه؟ إذا كان المشترع يقصد الإساءة المعنوية أو بعبارة أوضح الإهانة، فلا شك في أنه ليس في الحراثة على الحمار إهانة له بل ربما كان فيها تكريما له وذلك برفعه عن مستوى بني جنسه وقرنه إلى فصيلة أعلى هي البقر.
وأياً يكن من أمره فمن ذا يستطيع أن يقول أن وضع النير على العنق هو أكثر إهانة من الركوب على الظهر؟ وإذا كان المشترع يقصد الإساءة المادية فأغلب الظن أن لا فرق عند الحمار بين أن توفره للأحمال الثقيلة، وأن تشد عليه المحراث بل ربما كانت الثانية أقل مشقة وأحب كلفة وعلى كل فمرجع ذلك إلى الحمار وحده.
وما دام الحمار عاجزاً عن إيضاح هذه النقطة فتظل موضع شك وفي حال الشك لا بد من مراعاة جانب المدعى عليه.
وحيث أن الشرط الثاني الذي تشترطه المادة إلى جانب الإساءة هو أن تكون الإساءة بلا ضرورة ونحن نفهم أنها هي التي تلجئ الإنسان إلى الإقدام على ما تقدم عليه وأي ضرورة ملجئة أكثر من ضرورة هذا الهرم ذي الأطمار البالية والفقر المدقع وأي ضرورة أعظم من ضرورة هذا الفلاح المتهدم الذي يعلن في المحكمة أنه فقد ثوره فعجز عن شراء غيره؟
وحيث أنه بعد أن "باينا" هذه لا تطبق على حال المدعى عليه فهل تنطبق عليه الفقرات الأخرى؟
إن الفقرة الثانية تنص أن يأتي الإنسان عملاً غير جائز لبلوغ غاية مقبولة.
وحيث أن القانون لم يحدد الجواز وعدمه ولم يوضح كيف يكون العمل جائزاً فنحن لا نستطيع أن نقول أن عمل المدعى عليه غير جائز بل نرى فيه الجوائز كل الجوائز. فلاح فقير يموت ثوره ولا يملك نقوداً بل يملك حماراً فينتدب* حماره العتيد مكان ثوره الفقيد إلى أن يفرجها الله عليه فيفرجها هو على الحمار.
فأي شيء في هذا غير جائز؟
وحيث أنه بقي علينا أن نرى الفقرة التي تقول، كل من يحمّل حيواناً بعمل يفوق قدرته أو يؤلمه ومن ذا الذي يستطيع أن يبين لنا إذا كانت الحراثة تفوق قدرة الحمار وتؤلمه أم لا؟
وحيث أن المحكمة فضلاً عما تقدم، نرى للقضية وجهاً آخر، فهي تتساءل، أي الأمرين في نظر القانون أبعد عن الرفق؟
أهو أن تقذف بهذا العجوز إلى ظلمات السجن أم أن يحرث على الحمار؟ أما هذه المحكمة فترى إنقاذ جسم هذا الشيخ الفقير من الحبس وجيه من الجزاء أقرب من إنقاذ الحمار من الحراثة ما دام الحمار إذا لم يحرث فسيحمل ونرى أن حباباً من القمح يزرعها المدعى عليه حماره فتخرج سنابلها وتؤتى أكلها فيكون فيها في هذه الأيام السود لقمة لجائع وبلعة لفقير هي أجدى على القانون وعلى المجتمع من إلقائه في السجن وتغريمه الجزاء وإراحة حماره.
لذلك،
حكمت ببراءة المدعى عليه حكماً وجاهياً قابلاً للاستئناف وأعطي وأفهم علناً في الثاني عشر من نيسان العام 1944".
_____________________________________
* وفي الانتظام العام الانتداب معمول به خاصة في المواقع الادارية والمراكز المهمة, فاذا تعذر عمل موظف ما بسبب المرض المزمن او الموت ينتدب مكانه موظف بديل يقوم مهامه,(مدير او مدير عام وهكذا),فالانتداب معمول به ولا يشكل اهانة للموظف المنتدب ريثما يعمل على ترقيته او ايجاد موظف يشغل الموقع الوظيفي الشاغر,وذلك حفاظا على العمل وعدم تأثره بغياب الموظف الأصيل  .        

خليل ترحيني (أبو بشار)
عباّ في 12 تموز 2013م
تلفون: 07/510574
الموقع الإلكتروني:

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق