د.طلال عتريس
الشيعة في لبنان: دار المعارف الحكمية بيروت 2012م ص 161.
_______________________
نشأت النهضة
كتنظيم شبه عسكري, وكان لها مجلسان عسكريّ وآخر مدني, ولأعضائها لباس موحد. اتخذت
لها مركزاً رئيسياً في الباشورة, واستحدثت لها فروعاً في كل القرى الجنوبية, حيث
يوجد مراكز لمنظمة الطلائع. وكانت الفرق تحمل اسماء مستوحاة من أئمة اهل البيت
قامت منظمة
النهضة على الاهداف التالية: نصرة الفقير, إعطاء كل ذي حق حقه, السعي الى تسهيل
معاملات الفقراء من كل الطوائف في أجهزة الدولة وانصاف الطائفة الشيعية والمساواة
بينها وبين باقي أبناء الوطن.
وفيما يلي
القانون الأساسي والداخلي لحزب النهضة:
القانون
الاساسي لحزب النهضة:
المادة الاولى
– اسس في لبنان حزب سياسي اسمه حزب النهضة مركزه بيروت وله فروع في جميع المناطق
اللبنانية.
المادة
الثانية – ان هذا الحزب سياسي يهدف الى الاصلاح العام في جميع نواحيه.
مبادئ الحزب
واهدافه
المادة
الثالثة – يعمل الحزب للمحافظة على استقلال لبنان وتامين سيادته.
المادة
الرابعة – يؤمن الحزب بعروبة لبنان وبضرورة التعاون الى اقصى حد ممكن مع سائر
الاقطار العربية التي تجمعه بها روابط التاريخ واللغة والمصلحة.
المادة
الخامسة – يعمل الحزب على نشر هذه المبادئ المذكورة كي يصبح دستوراً يؤمن به كل
لبناني.
المادة
السادسة – يحارب الحزب كل نزعة طائفية بغيضة. ويرى ان الواقع اللبناني يفرض شمول
العدل والانصاف جميع اللبنانين على السواء رغبة في ازالة روح التفرقة.
المادة
السابعة – ان الحزب شورى ديمقراطي يطبق هذه المبادئ لسير اعماله وادارة شؤونه.
المادة
الثامنة – يعمل الحزب على ابادة الاقطاعية البالية والزعامات التي لا تستند الى
مبادئ صحيحة ومناهج واضحة.
المادة
التاسعة – يسعى الحزب لرفع المستوى الاجتماعي والثقافي والاقتصادي والسياسي
والاداري.
المادة
العاشرة – ان الحزب يحارب الحهل والفقر والمرض ويسعى لتأمين حياة رغدة لكل مواطن
لبناني بالوسائل الآتية:
أ-
مكافحة الامية
وتعميم التعليم الابتدائي الاجباري لكل فتى وفتاة
ب-
تحسين حالة
القرية وتنمية مواردها الزراعية والاقتصادية وانعاش الفلاح بكافة الوسائل
والمشاريع المجدية كجر المياه وشق الطرقات والانارة بالكهرباء وتخفيف الضرائب
وتعميم الوسائل الفنية.
ت-
مكافحة
البطالة والاهتمام الكلي يشؤون العامل اللبناني وضمان حقوقه ورفع مستواه مادياً
ومعنوياً.
أ-
تعميم طرق
الوقاية وايجاد المشاريع الصحية وتشجيعها وانشاء المستشفيات المجانية ودور الايتام
ومآوى العجز.
المادة الحادية عشرة –
يبث الحزب روح الاخوة والمحبة بين افراده ويفرض عليهم التعاون.
المادة الثانية عشرة –
يهتم الحزب اهتماما خاصاً بالقسم المغترب من لبنان ويسهر على تعزيز الصلات بين
ابناء الوطن المقيمين واخوانهم المهاجرين.
المادة الثالثة عشرة –
يعتبر الحزب ان الحريات جميعها ضمن حدود المصلحة العامة حق طبيعي للأنسان لذلك فهو
يدافع عنها بكل ما اوتي من قوة.
المادة الرابعة عشرة –
يعمل الحزب على انهاض المرأة ورفع مستواها
المادة الخامسة عشرة –
يعمل الحزب على تشجيع الرياضة وبث روح التنظيم.
المادة السادسة عشرة –
يسعى الحزب لتطبيق هذه المبادئ ويعتبر ان الحكم وسيلة فعالة للأصلاح وليس بغاية.
المادة السابعة عشرة:
لا يجوز تعديل احدى مواد هذا القانون الا بموافقة ثلثي اعضاء المجلس الاعلى.
تداعيات
التنافس بين الطلائع والنهضة
بعد قيام
المنظمتين الشيعيتين انقسمت الطائفة على نفسها, بين مؤيد للطلائع كعادل عسيران
وكاظم الخليل, ومؤيد للنهضة كوزير الداخلية صبري حمادة الذي استند الى دعم اجهزة
الدولة.
سهل
هذا التنافس مناخ الصدامات, للسيطرة على الساحة الشيعية. وكان لمنظمة النهضة فرقها
الصدامية بقيادة نائب الرئيس خضر جوني ومصطفى السبع حيث اتخذا مقراً لهما في كراج
صيدا في ساحة الهول لاحقاً ساحة رياض الصلح. وكانت مهمتهما اعتقال وخطف عناصر
منظمة الطلائع وتعذيبهم. اما اجهزة الدولة كانت تتدخل وتتوسط لإطلاق سراح بعض
المعتقلين. وكانت التهمة المنسوبة شتم أحمد الاسعد أو منظمة النهضة. لم تقتصر الصدامات على
بيروت, بل امتدّت الى الجنوب مما ادى الى سقوط عدد من القتلى والجرحى. وقد قامت جماعة
محمد الفضل في النبطية بنزع شارة كل طلائعي يمر في البلدة, ووصل الامر الى منع
الطلائعيين من الوصول الى اعمالهم, وهذا ما أجبر عدداً من الطلائعيين للالتحاق
بالنهضة وقد اعترفت مصادر في الطلائع, ان الاحداث التي حصلت, أوجدت متاعب
للطلائعين الذين راحوا يقدمون استقالاتهم, سواء على صعيد الافراد ام القيادات.
في آذار 1947
اصدر وزير الداخلية صبري حمادة قراراً بوقف نشاطات الاحزاب شبه العسكرية. وقد
التزم رشيد بيضون بتجميد نشاط منظمته و نقل ترشيحه للنيابة من الجنوب الى بيروت,
تحت ضغط الهجمة التي تعرض لها وانصاره في هذه المنطقة.
لم يكن لمنظمة
النهضة نشاط خاص باسمها سوى تهديد منظمة الطلائع, وما تبقى اختصر بما يقوم به
الزعيم احمد الاسعد. وفي كراس يحمل عنوان الجنوب في عهد الزعيم الاسعد 1947 – 1951
ضمَّ الكثير من المشاريع التي انجزها الاسعد في الجنوب بالتفصيل, وخصوصاً تنفيذ
مشروع ري القاسمية. كما يتضمن الكراس بعض الشعارات التي اطلقها الاسعد في الحملات
الانتخابية منها: " ايها العاملي نريدك ان تحمل معولا تقوض به صروح الغرور و
الرياء, وفأسا تحطم به هياكل الاقطاعيين المستبدين, ومطرقة تزيل بها معالم الرجعية
والنفعية والاستغلال والفجور"()
.
معركة الطلائع والنهضة
في عبّا
انخرطت افواج
الشباب والكهول في الطلائع وأنشئ فرع لها في عبّا برئاسة ابراهيم محمد جواد
والضابط شريف اسماعيل والشرطي امين أحمد والكاتبان محمد داوود حريري وموسى أحمد.
والتدريب في ساحة آل هارون ومركز الطلائع في الساحة العامة في نادي الامام محمد
الباقر (ع) الذي شيّد على ضرر مقابل دكان السيد احمد يوسف أسعد.
وحضر
فوج الطلائع من بيروت الى البلدة لأول مرة عن طريق شلبعل الكراسي – الوطى –
المغاريق بلباسهم الكاكي مع الشارات الخضراء والنجوم الصفراء. تقدموا الى البلدة
بصفوف
منتظمة مع
استقبال حاشد من الاهالي. وابتدأ التنظيم
والتدريب ليلياً في ساحة آل هارون مع قبل المدربين والضباط.
وتأسس فرع لحزب النهضة في بيروت لبعض الشباب من
العائلات الصغيرة في دار ام حسين على قبر الوالي والاشتراك الشهري ليرة لبنانية.
وفي الضيعة كان مركز النهضة السري في
منـزل شريف يوسف أسعد في الساحة العامة ورئيسه توفيق ترحيني والضباط مهدي عقيل
ومحمد السيد علي وحسين زينو عميس وجميل قاووق وأمين الصندوق أحمد حسن عبد الله
وممثل شباب الإرتباط حريري داوود حريري. ولباس النهضة بدلة كاكي وشارات حمراء.
البلدة كلها مع الطلائع والنهضة أقلية
ومن الفلتية ومتواجدون في بيروت ومن العائلات الثانوية في البلدة ومغضوب عليهم
خاصة من آل علي حسين وآل خليل أصحاب القدرة والقوّة والتحكّم في أمور البلدة.
ومطاردة شباب النهضة ونزع ازرار الحزب عن صدورهم ومنع مواشيهم من (العجال).
فالقتال عنيف
والغلبة لمن يحسن فن القتال إذ لا مجال في هذه المعارك للاعب فن البوكس ولا فن
المصارعة من محترفين وهواة إذ أن أبا سعيد حسن علي حسين حمل على مصارع محترف فكسر
بعصاه يديه ورجليه وحطم جمجمته فالمتفوق في هذه المعركة لمن يتناول خصمه بضربة عصا
من فوق سبع زلم. كل الأحياء والزواريب ملتهبة يدور فيها القتال ما عدا ساحة البركة
من خلة النبية لجل المصري فكانت تحت السيطرة إذ ان حريري داوود حريري الأسعدي (أبو
أسد) كان يقود المعركة من داخل البيت والأبواب مسكرة يصدر الاوامر مما أتاح لشباب
النهضة التحكم بزواريب ساحة آل هارون وخاصة زاروب وهبي يونس ليردوا الحملات الشرسة
من الطلائع على منزل أمين الصندوق أحمد حسن عبدالله سلامة (منـزل أبو حسن حسين علي
محمود الآن). وهكذا حميت كل الجهات وشهد هجوم النهضة على الطلائع التحاماً مباشراً
و"صدراً لصدر" بين عناصر الطرفين.
وقبل
غروب الشمس انتقلت المعركة الى البيوت والسطوح. فلم يزل القوم في القتال إلى أن
جنحت الشمس للمغيب. وكانت السيطرة للطلائع مع بقاء بعض الجيوب في القلعة وساحة
التنور وحول بئر المياسي وزاروب العسكري أو العسكور قرب التنور. مما أسفر عن تصدّع
جبهات الطلائع فمنيت بخسارة كبيرة مادية بفدوغات وجروحات
ومعنوية بكسر الهيمنة والتسلط في البلدة. ونامت البلدة على الرجاء: متابعة القتال
في الغد.
لجأ الناس الى النوم والأبواب مقفلة
والعجّال (بقر + عجول + ثيران) في البراري والحواكير والخيول شردت والدواب هربت.
وعندما اعتكر الظلام وحلّ وقت الأذان صعد
السيد علي موسى ياسين وهو الوحيد الذي لم يقاتل صعد الى سطح منـزله المتسع بعدة سطوح منادياً: يا أهل
يثرب لا أباً لكم. يا أهل الأوس والخزرج يا أبناء الزغرت والشمرت تباً لكم. ورفع
الأذان ولا حياة لمن تنادي. وكانت هذه المعركة بروفه لعدة معارك لما عانيناه من
الثنائي الشيعي- الشيعي أو الشيعي au) carré ) بعد نصف قرن ونيّف.
نامت
الضيعة ولم تنم وأفاقت على حصار أمني من الدرك والجندرمة والخيالة (ثلاثة القاب
لوظيفة واحدة) وأعلنت حالة الطوارئ وقيد الجميع سيراً على الأقدام إلى سرايا
النبطية وزجوا في السجن لا أكل ولا شرب. ضاعت المعنويات وخارت القوى وأهينت الكرامات
ولكنه كما يقال اذا "الدنيا خليت خربت" فلم تخل من همة عالية ومحتدٍ
كريم متمثل بالسيد محمد يوسف أسعد إذ أنجدهم بكرمه وجوده بإرسال الطعام والشراب
للجميع وجلب الأدوية والألبسة فأتت مساعيه وهو صاحب الجاه, مع المسؤولين في
السرايا ومع حاكم الصلح بمصالحة بين جميع السجناء والأفراج عنهم. فهدأت النفوس
وصفيت النوايا وأصبحوا صفاً واحداً حول السيد محمد يوسف أسعد إذ هبت البلدة بشيبها
وشبانها ونسائها وأطفالها ليلاً، والأيام مع مشارف نهاية شهر رمضان، الى حمل جثمان
شقيقه السيد داوود يوسف أسعد من بلدة الدوير مروراً بالوطى إلى البلدة الذي توفي
إثر عملية جراحية في المستشفى الفرنسي في بيروت وبمناسبة عيد الفطر السعيد تنادت
البلدة إلى دار السيد محمد يوسف فكان لقاء ود وإخاء.
وعزز
مبادراته الخيرة بأن أولم السيد محمد يوسف أسعد لوجهاء المنطقة في دارته في عبا
حضرها وجهاء القرى المجاورة ووجهاء البلدة نظير السادة: عبدالله عياش وذيب نحلة وآل شاهين, وآل كركي والشيخ يوسف حايك
والحاج عبد الغفار حرب وابو عزت فحص والعوف والسيد علي قاسم وأبو الماضي وغيرهم.
وفي عام
1949م صدر قرار من السلطة اللبنانية بحلّ حزبي النهضة والطلائع. وانتهت
المعارك وأصبحت المنافسة سياسية بين آل الأسعد وآل عسيران في الجنوب.
مع صعود
نجم الزعيم أحمد الأسعد في جبل عامل وفي المجلس النيابي قويت شكيمة الأسعديين في
عبا, فمال السيد اسماعيل مع عائلة آل علي حسين إلى السيد توفيق بعد رفع الحكم عن
شقيقه السيد يوسف وتجريمه للسيد عبدالله جواد زوراً وبهتاناً فغدت كفة ميزان
الأسعديين في الضيعة (طابشة).
أصبح الأسعديون الأكثرية وترحرحوا في تحركهم وأعمالهم في
البلدة واهتموا بالاعلام وخاصة إعلام الدكاكين واعتمدوا دكان علي جواد للتموين.
الأمر الذي أربك أبو خليل محمد حسن خليل: مقاطعة من الأسعديين وعدم مبالاة من
العسيرانيين. وهو من بيت عريق سيما وأن والدته (صالحة) صاحبة الجاه والمال والحشم
والخدم, تدير تركتها الواسعة بهمة ونشاط فتزوجها السيد حسن خليل مرغمة وأنجبت
ابراهيم ومحمد.
عاشوا أيام المجاعة بعز ورفاهية والآن عز عليه أن يغمز
من قناته فعاتبه أبو محمد رضا محمد علي وقال له لا يصلح الحال إلاّ بحسن المقال
وذلك بتعليق صورة الزعيم أحمد بك الأسعد وهكذا كان أحضر أبو محمد رضا الصورة
وعلقها في صدر الدكان. فشاهدها الأسعديون وزحفوا زرافات ووحداناً لشراء الحلويات
العربية. وأصبح الدكان مقصداً للجميع ويباع ليلياً سدر أو سدرين حلويات فاخرة.
فازداد شأن الأسعديين بوقوف أبو خليل إلى جانبهم حتى أنه حدث مرة أن قرأ ابنه جميل
سورة "الفاتحة" لجده السيد حسن خليل. عاجله أبو خليل محمد صالحة بضربة
كف وقال له: اقرأ سورة "الفاتحة" (لصالحة) والدته فقط لا غير.
هذين التنظيمين شغلا حيّزاً كبيراً في حياة الناس وأوجدا
خضة في عقولهم فكرياً وثقافيا وتجارياً.
عام 1942 م وعام 1950 م: حدثت مشاكل ومعارك بين الاهالي
وانقسمت العاثلات على نفسها واشتدت العصبية العائلية وانتقل الجميع في جبل عامل من
مجتمع القرية الى مجتمع رحاب الوطن ابنداءا من عام 1950.
وتردّد
الناس كثيراً على المخافر والمحاكم وذاقوا طعم الأمية والجهل فسارعوا الى تعليم
اولادهم و تعزيز المدرسة الرسمية فتغيرت العادات و ذهب عهد الشروال و الطربوش
فمقابلة الزعيم تتطلب ارتداء الألبسة الأنيقة و الطقم الجديد المناسب. وزيارة
الزعيم كل اسبوع لتقديم التأييد و طلب خدمات اجتماعية للبلدة و مراجعات في الدوائر
الحكومية.
وابواب الزعماء كانت مفتوحة للجميع. فطالب الحاجة اذا ما
تحقق الطلب في الطيبة ذهب الى كفررمان (يوسف بك الزين) أو الى آل الفضل في النبطية
او الى آل الخليل في صور أو الى آل عسيران في صيدا. واصبح في كل بلدة مفتاح للبيك
أو وجيه بفتح بيته للمتحازبين ويكون صلة وصل ما بين البيك والأهالي وهكذا علقت صور
الزعماء في بيروت وفي الشوارع وقراءة الجرائد والبيانات الصادرة عن دار الزعامة
وانقسمت البلاد ما بين العائلات الكبيرة لأظهار النفوذ والزعامة في البلدة
الواحدة.
ففي عبا
كان الخلاف حاداً بين عائلتي آل علي حسين وآل خليل, وفي الدوير: رمّال وقانصو, وفي
انصار: فياض وعاصي, وفي الغازية: خليفة وغدار, وفي حاروف: عياش وعطوي وحرب, وفي
جبشيت: حرب وفحص, وفي بنت جبيل: بيضون وبزي.
ففي منطقة النبطية تعرف ان الانتخابات بدأت بأن يفدغ
يوسف فارس من زوطر الغربية رجلاً من كفر تبنيت بضربة عصا على رأسه فيجري الدم
وتبدأ المعارك الانتخابية هذا على سبيل المثال والعكس بالعكس.
وفي القرى كان للأقليات دورهم في رحجان كفة العائلات
الكبيرة في الخلافات الجديدة التي تركزت على زعامتهم في الجنوب:
الأسعدية والعسيرانية وكان لكل فرقة سيارتها العاملة على خط النبطية. وكذلك
تسريح البقر في العجال فيقتصر الامر على المحازبين الاقوى في البلدة: فراعي العجال
والناطور ومراسل الدخان ومعلم المدرسة والمختار تصب مرات عديدة في خانة واحدة
اسعدية او عسيرانية.
وانتشر لبس بناطلين بنفاخات وجزامي لماعة مع عصا غليظة
و"فرد بكر" وجفت دك وبرن.
فالسيد توفيق ترحيني باع العجل ليغطي زيارة احمد بك
الاسعد الى عبّا.
والسيد كاظم هاشم في النميرية باع البقرة ليستقبل احمد
بك الاسعد وفي بلدة انصار قوي الخلاف ما بين عائلتي فياض وعاصي. فنصب آل فياض مدفعاً
على تلة فوق البركة لدك بيوت آل عاصي قرب الجامع في الساحة العامة.
وكانت وسائل الاتصالات ما بين الزعيم ومؤيديه في
المناسبات العامة: احتفالات وانتخابات: جماعة من الرجال الأشداء (الزلم) يطوفون القرى
والبلدان لايصال رسالة من البيك الى المفاتيح الانتخابية.
وكذلك كان مفاتيح البيك يجتمعون سوياً ويذهبون معاً
لمقابلة البيك على حسابهم الخاص ويتكلفون ااموالا طائلة في هذا المجاال.
وعلى سبيل المثال: كان خليل رمال من الدوير: يجمع مفاتيح
الاسعد في قضاء النبطية ويذهبون معاً الى الطيبة: نظير السيد توفيق ترحيني من عبّا
والحاج خليل حايك من عدشيت والحاج عبدالله عياش من حاروف والافندي صلاح فياض من
انصار والحاج عبد اللطبف شعيب من الشرقية وأبو قاسم مروة من الزرارية وحسن الجوني
من حبوش.
كان عمل هؤلاء المفاتيح يتميز بالاخلاص والنزاهة ومداليد
للأعداء بعد الانتخابات والسعي الى الاصلاح وتقديم الخدمات من مشاريع وتوظيف
واصلاع ذات البين بين الاهالي.
اذا كان هذا العمل يتطلب رص الصفوف فلا يعني إلغاء الغير
وجلب الضرر للفريق الآخر. وفي عام 1948م عين الزعيم أحمد الأسعد وزيراً للأشغال
العامة. سارع السيد توفيق مع وفد من اهالي البلدة مطالبين بشق الطريق وإصلاح
العيون وترميم البرك وتعمير تصوينة للجامع وبناء مدرسة وإحضار لجنة مساحة. فنفذها
جميعاً في عام واحد قائلاً للوفود: سنشق الطرقات وأعمل الجنوب مثل كبة بالصينية
والتنفيذ حالاً لأن العمل يتم بموجب الفاتورة وليس بالمناقصة. وأعطى أوامره بتنفيذ
شق طريق جبشيت عبا حالاً. وما هي إلاّ أيام قلائل حضرت لجنة المهندسين إلى عبّا
لتخطيط الطريق وشقها وتعبيدها وتم زرع الأوتاد للتحديد فقال الفريق الثاني هذه
خوازيق ولكن الطريق آتية كما الساعة لا ريب فيها. وبعد الانتهاء من التخطيط حضر
الملتزم ومعه فرقة من 100 عامل وعاملة وأولاد وابتدأ العمل. إذ أن العمل كان يؤدى
بالأيدي والأدوات البدائية.
وصلت الأعمال في الطريق الى منـزل الحاج عبدو معلم وبقيت
مشكلة الساحة فالساحة ملك لآل خليل, تزرع مشاتل ودخان وقمح. فيها تلال في الوسط
وطرق فرعية في أطرافها. أكبر ساحة في بلاد جبل عامل في وسط البلدة. فطلب كبار
القوم من وجهاء آل خليل حل هذه القضية وتقديم الساحة للبلدة ومنهم السيد عبدو حسين
أحمد صاحب المقام عند الفريقيين ومقدماً عند السيد حسن خليل عن طريق المصاهرة,
فبادر مع السيد توفيق الى رفع الأحكام المتوجبة عن السيد أحمد حسن خليل والسيد
عبدالله جواد. فقابلا الزعيم أحمد الأسعد فكلف النائب والمحامي ابراهيم عازار حل
هذه القضية حالاً قائلاً له بدملوماسيته الشعبية: لا أستطيع مقابلة فاطمة الزهراء
ع يوم القيامة وحفيداها محكومان وحتى أكسب رضاها عليها السلام وانت تكسب شفاعتها يوم
الصراط برفع هذا الغبن عنهما حضر الاستاذ ابراهيم عازار مع الوفد الى سرايا صيدا
ورفع الأحكام عنهما مع محاضر براءة صادرة عن القضاء.عم السرور البلدة وقدم آل خليل
الساحة فشَرَعَتْ حالاً ورش العمال في جرف وتسوية الجلالي والتلال وأصبحت سهلة
واسعة ومفرجاً للأهالي في البلدة وللوافدين اليها من الخارج بمساحة 12 دنم.
وافتتحت
بحضور الجميع على وجوههم الرضا والتآخي واستقبلوا جميعاً أول سيارة تدخل البلدة
خاصة الحاج موسى كركي من حاروف وتبعتها.سيارة فورد ثانية للشاب احمد خليل عبدو حرب
من جبشيت وسلم كل واحد منها 25 ل.ل.
هذه
الساحة كانت حافزاً لأهالي البلدة في التسعينات من القرن الماضي لبناء مشروع
للجامع وللنادي الحسيني بإشراف امام البلدة السيد محمد علي ابراهيم ق.س. وهمة
الوجيهان السيد عبدو حسين أحمد والسيد
أحمد يونس أضف الى ذلك همة أهل البلد جميعاً إضافة وقفة جريئة من آل خليل بتقديم
عقار من السيد أبو سعدالله علي أحمد حسن خليل الى عقار الجامع وبسعي حثيث.من
الاستاذ عبد الحسن عميس باستدعاء المهندس الاستاذ بهيج منصور رحمه الله لاعداد
خرائط للمشروع والاشراف عليه فكان عند حسن الظن ما توانى.أبداً عن العمل والاشراف
حتى الإنجاز.
ضم المشروع الجامع والنادي الحسيني بوقفة جريئة من أهالي
البلدة لجمع رصيد الكلفة بمساهمة مالية من جميع الأفراد ابتداءً من الليرة وال 5
ليرات دون أن يمدوا يدهم للغير من خارج البلدة بشهادة من الامام المغيب سماحة
السيد موسى الصدر في احتفال لبناء حسينية في زوطر الشرقية عام 1967: أن يتعلموا من
أهالي بلدة عبا كيف بنوا مشروعاً ضخماً بدون مساهمة من أحد خارج البلدة وذلك لأنه
قبل اسبوع من قوله هذا كان قد القى محاضرة عن العمل في النادي الحسيني لبلدة عبا
بدعوة من المرحوم الاستاذ ابراهيم توفيق ترحيني رئيس الحركة الاجتماعية في الجنوب
آنذاك وكانت هذه المحاضرة سببا لأول زيارة لمنطقة النبطية التي كسر حدتها المرحوم
الاستاذ ابراهيم توفيق ترحيني بإقامة المحاضرة في عبا متحدّياً بضراوة وشراسة جميع
المعترضين لدخوله البلدة والمنطقة من أهالي بلدة عبّا وإمام بلدة جبشيت وعلماء
المنطقة وذلك في شهر تموز 1967م.
هذه الساحة في بلدة عبا التي قدمها آل خليل
مشكورين للمصلحة العامة لا تزال اعلامها مرسومة على خريطة المساحة إذ تبلغ مساحتها
12 دنم ولكنها للأسف تآكلت مع مرور الزمن
من اصحاب المنازل والدور المحيطة بها ما عدا مدخل منـزل قاسم محمد محسن لا يزال على حدوده القديمة.
(والد الدكتور محمد قاووق) ومما زاد الطين بلة رغم الاعتراض من الأهالي "أن
قامت سلطات الامر الواقع" بغرس أشحار النخيل في أرجائها فصغرت الساحة وأصبح
مشروع الجامع والنادي الحسيني صفيراً بعدما كان كبيراً على زمن الآباء والأجداد
فهل ترفع الاعتداءات عن الساحة؟؟
أما الطريق العام التي سعى فيها السيد توفيق واهالي
البلدة من عين جبشيت حتى ساحة البلدة عام 1949م بعرض 3 أمتار لا تزال
على حالها. فلا توسيع ولا تزفيت رغم تقديم العرائض بهذا الخصوص لنواب حلول الأجلين
والباقين الى الأزل منذ عام 1990م. فهل ستشهد بداية تحرك جدي سريع للتوسيع
والتزفيت منهم ومن وكلائهم في البلدة قبل نهاية وكالتهم النيابية التي منحهم إياها
الشعب وقبل نهاية ولاية هذا المجلس عام 2013م وعودتهم الينا طلباً
لتجديد الوكالة؟؟. نأمل ونرجو
في عام 1950م
زار الزعيم أحمد بك الأسعد قرية عبا إثر جولة على قرى الجنوب فوصلها ليلاً. نزل
بالجامع مع حشود من أهالي البلدة والقرى المجاورة وقد نصب له قوس نصر على مدخل
البلدة واستقبل بالهتاف والزغاريد ولا وجود للكهرباء فأنيرت الساحة والطرقات
بالقناديل. جلس على البلايط في الجامع والتعب قد أخذ منه مأخذاً كبيراً والنعاس
باد عليه ولكنه سرَّ بالمشاريع التي نفذت في البلدة من الطريق العام الى الساحة
العامة بناء حائط الجامع وإصلاح العيون والبرك وتأمين رخص الدخان. ذكرها جميعاً في
قصيدته الشاعر محمد داوود حريري فخاطبه قائلاً: طيرّت النعاس من عيني يا أبا محمود
والقى نجل السيد توفيق: حسن توفيق ترحيني كلمة ترحيب بالزعيم الوائلي. وباع السيد
توفيق العجل (زهير) ليغطي نفقات هذا الاحتفال.
وقدم أبو محمد رضا محمد علي السيد أبو
خليل محمد صالحة للسلام على البك وقال له: صورتك في صدر دكانه في الساحة. فأجابه
أحمد بك بأنه كان لي أخ اسمه فارس. توفي فأبو خليل أخي: محل فارس. فصرخ به أبو
خليل:" كل واحد بعاديك بدو
عصايي بين كتافو". سر الزعيم أحمد الأ سعد كثيراً في جلوسه مع الأهالي في عبّا
وتناول شراب اللبن ووزعت الشرابات على جميع الحضور كان قد أعدّها سابقاً السيد
محمد يوسف أسعد ما بين 20 طنجرة وسطل لبن ولا غرو فهو صاحب الكف الندية وعتبة داره
عالية وسفرته دائماً ممدودة للقائم والراكب. وهنا جد الجد فخاطب السيد توفيق
الزعيم احمد الأسعد بأن لنا طلباً وحيداً نرجو أن تحققه وهو تعيين سماحة السيد
محمد علي ابراهيم قاضياً.
فأجابه ملامتكم على انفسكم. الأثنين
انشاء الله نلتقي في بيروت. في الوقت المحدد حضر السيد توفيق والسيد اسماعيل
والسيد محمد يوسف أسعد لدارته في النويري في بيروت. فأخذ التلفون وتكلم مع الرئيس
رياض بك الصلح رئيس مجلس الوزراء آنذاك وقال له: اذا كنت بتحب تكسب رضا فاطمة الزهراء (ع) يوم القيامة:
عيّن سماحة العالم السيد محمد علي ابراهيم قاضياً في المحاكم الشرعية" وبعد
ساعتين جاء القرار بتعيينه قاضياً شرعياً جعفرياً في بعلبك عام 1951م.
اذا كان الاقطاع القديم إقطاع الخدمات
والاصلاحات فولادة الإقطاع الجديد أشد ضراوة واحتقاراً للناس ومرحباً بالاقطاع
القديم.
وفي عام 1961م زار وزير
التربية الوطنية الزعيم كامل الأسعد بلدة عبا فاستقبلته البلدة استقبالاً لائقاًً
(رويد وأهازيج وأقواس نصر) وجلس على البلايط في الجامع فطلب منه السيد توفيق بناء
مدرسة على حساب الدولة. فأجاب الطلب وأرسل مهندساً لتحديد العقار المعتمد
والمتنازل عنه لوزارة التربية الوطنية لبدء العمل. حضر المهندس المختص وحدد العقار
فوجد أن العقار كله رقم واحد وليس رقمين وهو للسيد اسماعيل علي حسين صاحب القوة
والجاه. ثارت ثائرته لعلمه أن الأرض الممسوحة عقارين فأوقف العمل. فتعهد السيد توفيق
بفرز العقار وكتب سنداً بقيمة ألف ل.ل. تدفع للسيد اسماعيل اذا لم يتم الفرز مع
شهادة الاستاذ عبد الحسن عميس.
عمل السيد توفيق جاهداً بحل عملية الفرز
لكن الموت عاجله وبقيت قضية العقار عالقة حتى تم الانجاز لاحقاً على يد حفيده السيد
اسماعيل شريف ترحيني. وصرفت الوزارة
النظر عن بناء مدارس في القرى واستبدلته "بتجمع المدارس" فكان لمحور
حاروف جبشيت عبّا: مدرسة تجمّع في السموقة في جبشيت.
وهكذا لم تتحقق أمنية السيد توفيق ببناء
المدرسة ولم يتحقق فرز عقار السيد اسماعيل.
ولسان حاله يردد:
لا تلم كفي اذا السيف
نبا صحّ مني العزم والدهر
أبى.
واستطراداً لتحقيق بناء مدرسة رسمية كلف
الاستاذ عبد الحسن عميس المهندس بهيج منصور من برج الراجنة المشرف على مشروع
المسجد والنادي الحسيني بإعداد وتصميم مشروع مدرسة حديثة. أعدت الخرائط سريعاً.
وسارعت اللجنة بتسليم التبرعات وهي مؤلفة من سماحة العلامة السيد محمد علي ابراهيم
ق.س والمختار السيد شريف يوسف أسعد والأستاذين: عبد الحسن عميس وخليل توفيق
ترحيني.
بادئ الأمر اختلف على المكان. ما بين
بيدر رأس الدوري وقلعة الصعبة فرجح رأي المختار بإقامة المشروع على العقار الأخير
المشاع ومساحته 60 دنم وموقعه ملائم لمدخل البلدة. فتحفظ العالم السيد محمد علي
ابراهيم ودارت المشاكل بينه وبين المختار ولم يسلمنا المبلغ المجموع من البلدة
وقدره 15 الف ل ل فأوعز سماحته للاستاذ عميس باستشارة المرجع في العراق. فأرسل
الأخير رسالة بهذا الخصوص الى سماحة المرجع الكبير السيد ابو القاسم الخوئي. فأتى
الجواب سريعاً بأن المرجع يوافق على الرأي الذي يتخذه امام البلدة سماحة السيد
محمد علي ابراهيم قائلاً ونحن مع رأيه قولاً وعملاً.
أحيط الجميع بهذه الفتوى المباركة لكن
تواجد اللجنة في هذه الأونة في النادي الحسيني في النبطية واستمزاج رأي السادة
العلماء من قبل المختار بغياب سماحة السيد محمد علي ابراهيم اعتبرها سماحته لا
تتوافق مع مكانته وما هو عليه بالنسبة لعلماء المنطقة والجوار بعدما نقلها اليه
سماحة العالم الشيخ جعفر صادق امام النبطية
بأن وفداً من بلدة عبا, على رأسه المختار شكوا واقع الحال. فثارت ثائرته على
اللجنة خاصة بعد ورود الرد من قبل المرجع الكبير في النجف وأسرها في نفسه وصب جام
غضبه على اللجنة.
ولكن سرعان ما هدأت النفوس وضمنا سماحته
تحت جناحيه واعطى اللجنة الـ 15 ألف ل.ل وبدأ العمل بزخم جديد.
كانت اللجنة تجمع ما يجود به الأهالي ابتداءً من
الـ5 ليرات. تبرعوا وما بخلوا. وفتح حساب بالبنك. ومحاسبة العمال مساء كل سبت مع
بيانات اسبوعية وشهرية بقطع الحساب توضع بين أيدي الأهالي ليكونوا على بينة. وجرى
العمل بإتقان وتنسيق واجتهاد من اللجنة وخاصة من المختار السيد أبو أسعد شريف يوسف
ترحيني الذي ماتوانى على السهر والاشراف الشخصي على العمل. وارتأى البعض بيع أقسام
من المشاع لدعم المشروع. فأموال المشاع كانت تودع مع سماحة السيد محمد علي ابراهيم
ق.س الذي كان يتولى صرفها بنفسه على العمل ولا علاقة للجنة بهذا الخصوص.
وتكاليف السقف الأول سددت من مجلس الجنوب
بإيعاز من دولة الرئيس كامل الأسعد.
إبان سرعة الانجاز في المشروع كانت تحصل
مشاكل عديدة بين المختار واعضاء اللجنة سرعان ما تذلل امام نبل الغاية في سبيل
انجاح المشروع.
وفي بداية السبعينات من القرن الماضي
انجزت المدرسة الرسمية السهلة في القلعة الصعبة من قبل الأهالي الكرام من البلدة
أصحاب العطاء وأصحاب الكرامات على خير ووئام ببركة سماحة السيد محمد علي ابراهيم
ق.س وهمة المختار السيد أبو أسعد وعمل اللجنة بمحبة وإخلاص. وأضاف صرحاً بجانبها
للفرع الانكليزي دولة الرئيس الاستاذ نبيه بري. فغدت تجمعاً وملتقى لكل ابناء
القرى المجاورة, ترفد الوطن بالحكماء والدكاترة والضباط والمحامين والمهندسين
والصيادلة والقضاة ورجال الدين ورجال الأعمال ...إلى آخره مما لا يعد ولا يحصى
بمستوى تعليمي عالٍ
بإشراف المدير الذي يعمل بصمت وبإخلاص الاستاذ محسن فحص مع هيئة تعليمية كريمة
متخصصة بشتى طرق التعليم الحديثة.
المساحة
برزت معالم
بلدة عبا أيام الوجيه والمختار خليل أبو دلا عام 1850م بتوقيعه عريضة
للوالي العثماني مع مخاتير جبل عامل باسترداد أراضي الشومر واقليم التفاح. هذه
العريضة حققناها ونشرناها في مجلة العرايس
وهي أهم وثيقة تاريخية بين أيدينا ويقال أن ملكية الأراضي في هذه الفترة أو ما
قبلها تعود لفروع من عائلة واحدة هم: آل خليل, آل هارون, آل حسين.
وتأتي عائلات مالكة مثل آل ياسين وآل
قاووق. وعائلة آل عميس كان لها أراضي واسعة في عبا والمتوارد عنهم أنهم كانوا
مكلفين بتخزين مواسم الميرة في دار الحاج حسين عميس ومن ثم يتم نقلها الى صيدا
مركز الولاية.
وتوفي السيد خليل عام 1905م
فانتقلت المخترة والوجاهة الى ابنه السيد حسن خليل كان مقدماً ومحظوظاً عند أولي
الأمر من سرايا ومديرية السلطنة ولا يقل عنه جاهاً يوسف علي هارون. أما ملكية آل
علي حسين فتعود الى وراثتهم من امهم أمون بنت خليل أبو دلاّ. وقد تسربت أيدي
المراهنين من الولاية في صيدا الى ارتهان بعض الأملاك والأراضي في البلدة وضياعها,
بعد وفاة أصحابها نظير السيد يوسف علي هارون الذي كان صاحب أملاك وأراضي تملّكها
أصحاب الرهن بعد وفاته في طريقه لزيارة الأماكن المقدسة لكن السيد يونس أحمد هارون
استعاد أراضيه بعد مجيئه من المهجر من السيد جواد خليل بواسطة السيد حسن خليل.
ومنذ عام 1913 تاريخ اندلاع الحرب
العالمية الأولى حتى عام 1926م تاريخ انشاء الجمهورية اللبنانية وغياب
السلطنة العثمانية وعدم تنفيذ اتفاقية
سايكس بيكو 1919مخلت المؤسسات الرسمية من سرايا ودوائر حكومية من
الموظفين ورجال الأمن لأن السلطنة العثمانية هزمت. وأصبح كل مختار يدير شؤون بلدته
بنفسه وأصبح السيد حسن خليل الحاكم والمختار والوالي على البشر والحجر في البلدة.
ومعظم أراضي
البلدة لآل خليل ولكن حدث ما لم يكن في الحسبان أنه من جراء دين عليه بيعت املاكه
في المزاد العلني عام 1935 مع عدم موافقته على البيع وعدم حضوره فبقيت الأراضي
المباعة معاملاتها غير قانونية لذلك عند وفاته عام 1946م امر امام
البلدة سماحة السيد محمد علي ابراهيم ق.س بأن البيع فيه غبن.فعلى المستفيدين دفع
المتوجب عليهم للقيام بواجب العزاء.
استغل السيد توفيق هذا الفراغ وطلب من الزعيم
أحمد الأسعد عام 1949م بتعيين لجنة مساحة للبلدة. فأرسلت اللجنة,
سريعاً.مؤلفة من المهندس انطون الدرعوني والناظر حليم الحايك البدادوني ولجنة
مؤلفة من وجهاء البلدة. فأنهت اعمالها خلال عامين بتسهيل من قبل آل خليل وخاصة
السيد أحمد حسن خليل والسيد عبدالله جواد والسيد ابراهيم حسن خليل وأصبح أهالي
البلدة يملكون سندات زرقاء بدلاً من البيع العرفي وأوراق الحجج الواهية.
فالسيد توفيق في مسعاه مسح اراضي البلدة
عام 1949م أعطى مثلاً لمدى خمسين عاماً أيام حرب الميليشيات العبثية
واحتلال الفلسطينين من عام 1975-1982. واعتداء المليشيات المسلحة على اراضي الغير
والمشاع وتوزيعها وفقاً لرغباتهم واقامة البناء عليها. الأمر الذي حدا بالرئيس
عادل عسيران عام 1976 في بلدة كفرصير أن يترحم على السيد توفيق ترحيني بمسحه أراضي
عبّا عام 1949 بعدما فقد آل عسيران جميع ممتلكاتهم في كفرصير والقنطرة بتوزيعها
على افراد مشيليات سلطات الأمر الواقع.
رخص الدخان
عام
1947م ضمن السيد أبو شكيب رشيد جابر من أعيان النبطية وأحد موظفي ادارة
الريجي معظم اراضي البلدة وزرعها تبغاً في الحواكير والمغاريق والحمارة والوديان
حتى عين الحاج حسن ونصب خيمة كبيرة للمصلحة في خلة "النبية" لورش العمل
لشك الدخان وتعليقه على السقايل. هذه الورش كان معظمها من صبيان وصبايا البلدة
فاستغل البلدة لمدة عامين: أرضا وعمالاً ولا يوجد رخص دخان في البلدة. فتقدم
السيد توفيق مع وفد من الأهالي طالبين من الزعيم احمد الأسعد تأمين رخص دخان. فطلب
من وزارة المال التي لها حق الوصاية على ادارة حصر التبغ والتنباك اصدار قرار بهذا
الخصوص وهكذا تملك الأهالي عشرات الدونمات, من الدخان من ملكية السيد أبو شكيب
رشيد جابر.
فأصبحت عبا أول بلدة تمتلك حق زراعة
التبغ منذ عام 1947م التي كان من نتائجها إعمار البلدة واستصلاح
الأراضي وأصبحت سقوف البيوت من باطون وعمد الاكثرية الى تسجيل ابنائهم في المدارس
الرسمية والخاصة حتى أن اوتوكار الراهبات كان يحضر يومياً الى البلدة لنقل الطلاب
عام 1960م وكان سائق الاوتوكار أبو شوقي رحال.
همّة أهالي البلدة انتشرت في النبطية
وجوارها بتوسيع مشاريع أعمالهم والانتقال الى المدينة مع تمسكهم بالأرض وفقاً لما
كسبوه من إرشاد وعادات وتقاليد ونمط العيش الروتيني.
تغيرت معالم البلدة بإنتشار زراعة التبغ
منذ عام 1950م فتراجعت مواسم التين والقمح والحبوب وحلّ من جديد في
الحواكير مناشر الدخان وسيب التعليق ووجود الدنك وخيم الشكاك.وثياب العري لتحمل
المادة الصمغية من شتلة للدخان التي لا تقطف الا على الندى.
ويقوم موظفو الريجي من مراسلين ومراقبين
ومفتشين بمسح الاراضي ويسمى "الكيل" وتخمين المواسم.
والمراسل يعتبر معاون مهندس يقسم القطعة
عدة مثلثات ويتم الكيل بدقة متناهية ويتم التخمين وعلى أساسه يقدم المحصول الى
الادارة.
موظفو
الريجي من مراسلين ومراقبين وغيرهم كان لهم صداقات حميمة مع الأهالي نظير ابو نزيه
رياض شعيتاني وابو ابراهيم عبدالله عياش والسيد محمد جواد بدر الدين وابو حسين
زيتون وأبو جهاد محمود مروة وحسن أبو جهاد جفال وحسين السيد احمد ورفيق طه وجميل
جابر وزكي ياسين وعادل الطبشي وأبو وائل الحاج علي وغيرهم من خيرة الأصحاب. هذا لا يعني
عدم الإتيان على ذكر السييء الذكر ممن اساؤوا لأهالي البلدة وللوظيفة أمانة
ومسلكاً نظير الخبير أحمد شكرون وغازي عليق وعلي قانصو.
وأصبحت هذه الزراعة الشغل الشاغل لأهل
البلدة من فلاحة للأرض وتسميدها واعداد المشاتل مقدماً لموسم الزراعة في حزيران من
كل عام واعداد الفدادين للتغلّب على وعورة
الأرض وسهولة التقطيع حتى اذا حضر ضارب السكة يغرسها بقوة ونشاط في الأرض كان
وراءه حبلاً طويلاً من صبايا وشباب يغلون. فهو سيّد الورشة ومحركها. بادئ ذي بدء
كانت المياه تعبأ من البركة وتزرع الشتلة بواسطة الابريق ومع مرور الزمن حلّت
محلها النباريش والسترنات حتى اذا حلّ موسم القطاف تتلألأ الوديان والحواكير
والوطى بقناديل (لوكس) تمزق عتمة الظلام وتحوّل الليل الى نهار.
وما أن يرتفع الندى تعود الورش للبيوت
لشك الاوراق بالميابر والتعليق بالخيطان وعلى السقايل والمناشر مع تناول الفطور
سريعاً مما تيسر من مقالي البطاطا والباذنجان والكوسى مع سلطة بندورة وبصل وحرّ.
وعلى مدخل الخيمة صناديق الصبير وصواني التين وسلاّت العنب والمنشل.وابريق الفخار.
وفي الأربعينات من القرن الماضي انتشرت
الأحزاب السياسية في جبل عامل وتأسّس عام 1948م الحزب القومي السوري في بلدة جبشيت
بناموسه الطالب علي أحمد أخضر، وفي بلدة بريقع بناموسه محمد يوسف جمول وتأسّس
الحزب الشيوعي في بلدة أنصار بأمانة العامل الشاعر عبد الله هاشم شرف، وعرفت
المنطقة إبتداءً من عام 1950م حزب البعث العربي الإشتراكي برئاسة الدكتور علي جابر
ووصل إلى بلدة عبّا عام 1952م، وقوي شأنه بحضور المسّاح أبو حسين علي فرحات من
بعلبك لما تميّز به من دماثة الخلق وحسن المعشر ومن المنتسبين الأوائل في حزب
البعث السادة: محسن إبراهيم، كامل كلوت، محمد هاشم، حسين علي محسن، قاسم محمد
يوسف، محمد حسين الشيخ... وغيرهم، وعمل في المقابل المسّاح الثاني جورج حداد بنشر
مبادئ الحزب القومي السوري فتجاوب معه عمّاله وكانوا قلّة ومنهم قاسم أبو علي
حمود... وفي عام 1960م إثر الإنقلاب العسكري على الدولة من
قبل الحزب القومي السوري (محاولة فؤاد عوض + شوقي خير الله + محمد بعلبكي).
حضرت قوّة من الجيش إلى بلدة عبّا لاعتقال
القومي السوري: قاسم ترحيني لوجود إسمه في سجلات المهندس جورج حداد، فلم يجدوه في
البيت، فاستعيض عنه بأخيه حسين أبو علي (بدل عن ضائع) واعتقل قاسم محمد يوسف أسعد
ترحيني لتشابه الأسماء وجميعهم لا ينتسبون الى الحزب المذكور.
وفي عام 1946م حضر الشيوعي أديب جابر من
النبطية ونـزل في الجامع لأخذ تواقيع الأهالي على عريضة تندّد بالإعتداء الأميركي
على هيروشيما وناغازاكي، فحضر السيد إسماعيل وأتلف العريضة وزعبه وقال له: نحن مع
البيك ضد البلشفية.
وفي عام 1956م دعا السيد أسعد محمد يوسف
(أبو حسن) الشباب لحضور ندوة شيوعية في بلدة أنصار في منـزل السيد عبد الله هاشم
شرف لاستقبال رئيس الحزب الشيوعي نقولا الشاوي في لبنان، والسيد أسعد صهر بلدة
أنصار عام 1955م ويشرف على مصالح والده في بلدة ذمول.
أثناء الإجتماع داهمتنا دورية درك من
النبطية فاعتلقت البعض وهرب الباقون، ورجعنا إلى بلدتنا عبّا منهكين حتى التم
الشمل في وادي بوكوارة منتصف الليل بانتظار استلام المنشور الذي سيوزع لاحقاً،
الأمر الذي حدا بجريدة الأخبار الشيوعية بتاريخ 30/9/1956 أن تغطي الخبر وفقاً لما
يلي:
تصرفات غريبة
لضابط منطقة النبطية تثير إستنكار الأهالي وسخطهم:
تلقينا من النبطية إنه بينما كان جمهور
من شباب قرية "عبّا" يسهرون عند السيد عبد الله هاشم شرف كعادتهم كل
ليلة ويقرأون الشعر، داهم ضابط المنطقة البيت وأمر باعتقال صاحب البيت والعضو
الإختياري خليل اليحيى وسيقوا إلى النبطية وضربوا، كما اعتقل السيد حسين الحاج علي
فياض لأنه حاول الإتصال بشريكه في زراعة التبغ خليل اليحيي وأوقف مدة 6 ساعات بدون
أي مبرر، وبناء على وشاية
كاذبة من أحد العناصر الموتورة في البلدة دوهمت القرية مرة ثانية لاعتقال 15
شخصاً.
وكان لهذه الأعمال المنافية للحرية
الشخصية ولأبسط قواعد الحريات الديمقراطية صدى استنكار في النفوس كافة، ونحن نطالب
بالتحقيق في هذه التصرفات الغريبة ووضع حداً لها.
جريدة الأخبار
30/9/1956
وكان السيد توفيق بعيداً عن هذه الأمور
ولا يعارضها، همه الوحيد أن الشباب يصوتوا "للبيك" يوم الإنتخاب.
وكان السيد توفيق يجيد لعبة السيف والترس.
هذه اللعبة تؤدى بالأفراح والأتراح. ومن روادها في البلدة محمد مهدي وأحمد السيد
علي وابراهيم حسن خليل. وعند وفاة السيد حسن خليل عام 1946م حضر هو
ورفاقه وادوا التحية بالسيف والترس للجنازة مع مناداة اسماء الجلالة والنبوة
وامامة امير المؤمينين علي بن أبي طالب (ع).
وعند المبارزة في الأعراس تتدخل لجنة
التحكيم حتى لا تتطور الأمور أكثر مما هو مطلوب من مبارزة شريفة ورياضية.
وعندما احتدم القتال في بيروت في الحرب
العالمية الثانية حضر مع سائر اهالي البلدة
المتواجدين في بيروت الى الضيعة. وكان في القلعة السيد محمد مهدي وجاره أبو
عبدو الرسول يتابعان سير المعارك إذ أن الأول من مؤيدي هتلر والمحور وأبو عبدو
الرسول من مؤيدي الانجليز والحلفاء. وأخيراً تغلب أبو عبدو مردداً شعارات الحلفاء
وأقوال الراديو من على مصطبة السيد موسى علي حيث يتجمع أهالي القلعة الكبار
والصغار. وخاصة جيلنا اليافع إذ جمع جميع صبيان القلعة عند السيد موسى علي وحلق
لنا "حليطة بليطة" حتى لا يقع القمل.في رؤوسنا من الطائرات عام 1942م.
وكان السيد
توفيق على صلة وثيقة بالأهل والجيران وخاصة مع جارنا السيد موسى علي: شيخ الشباب
وصاحب المروءة والخدمات السريعة المجانية للفلاحين. وكنّا نحلق عنده حتى وصلنا الى
صف البريفيه، فكان السيد توفيق يكبره ويحترمه ويأخذ رأيه في كل الأمور.
كان السيد توفيق وفياً ومخلصاً للتيار
الأسعدي مع احترامه وتقديره لبقية السياسيين في المنطقة وكان عنده موهبة تجلت
بقدرته على التواصل مع أكبر عدد من الناس, تواصل مستمر في الأفراح والأتراح مع
حضور مميز في ميدان اصلاح ذات البين.
وفي صباح نهار الثلاثاء في 10 تشرين
الأول شرب القهوة عند الحاج اسماعيل ابراهيم حريري مع أبي كامل عبد الحليم وأبي
علي منير. وافترقوا على ان يتلاقوا بالساحة العامة للذهاب الى بلدة حاروف للمشاركة
في وفاة الشوفير عبد المحسن هاشم. وفجأة تلبدت السماء بالغيوم والمطر يكاد أن
يتساقط فحمل مجرفة وفتح قناة للمياه الجارية في دوارة الحاجة وعند رجوعه وقف عند
مزراب سقف ابو حسن عبدو اسماعيل فانتابته نوبة قلبية مفاجئة فهوى على الأرض ميتاً
وكان في زهوة شباب عمره 57 سنة.
اقيمت ذكرى الاسبوع في خيمة في الساحة
العامة حضرها الرئيس كامل الأسعد مع 12 نائباً وحشود غفيرة من القرى المجاورة
والقيت خطب وقصائد.
هذه ترجمة حياة السيد توفيق السيد علي
حسين أحمد ترحيني.
وهذه هي اللحظات الخاطفة الخافقة من ذكرياته
التي لا تحجب الرؤية عن الأدوار المهمة التي قام بها رجال غيره في البلدة مما نجلّ
ونحترم بما قدموا من خدمات جلى في شتى الميادين.
فمجتمع بلدة عبّا كغيره من المجتمعات
كائن حي متطور.